لم يعد يُجد الصمت تجاه الأزمات التي يتسبب بها الإعلام المصري الخاص أو الحكومي، على المستويين المحلي والدولي. فالفشل في إدارة الإعلام في مصر، ينعكس بشكل أو بآخر على فشل منظومة الإدارة في مصر بشكل عام، باعتبار أنّ الإعلام جزء منها. لا سيّما مع ما يُبديه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من اهتمامٍ وتركيزٍ بالغَيْن، لوسائل الإعلام والإعلاميين؛ إذ يحرص دائماً على تنظيم حوارات مع إعلاميين في محطات فضائية خاصة، وتنظيم مؤتمرات دوريّة مع رؤساء تحرير الصحف.
ومع ذلك، يُؤكّد التقرير الثالث عشر الخاص بالمواقع الإخبارية المصرية، الصادر عن "الشبكة العربيّة لدعم الإعلام ـ الصوت الحر"، والمعني برصد المستجدات في قطاع الإعلام والصحافة خلال شهرَي يوليو/تموز، وأغسطس/آب 2014 هذا الكلام. ويُفنّد في أحد فصوله "الأزمات التي يتسبّب بها مذيعون ومذيعات".
ويرصد التقرير حال المواقع الإخبارية في مصر، نشأتها وتطورها، مع محاولة لفهم أهم إشكاليّاتها وأفق المستقبل في ظلّ الواقع السياسي. وذلك في ضوء مرورها بثلاث مراحل أساسيّة: الارتباط بالجريدة الورقية، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأدوات جديدة في تأدية دورها الإعلامي.
ويُشير التقرير في فصله الذي جاء تحت عنوان "مذيعون ومذيعات... وأزمات"، إلى أنّ شهر يوليو/تموز الماضي، شهد عدداً غير مسبوقٍ من الأزمات المحليّة والإقليميّة، تسبّبت بها أخطاء لمذيعين ومذيعات على القنوات الخاصة والحكومية، وأثارت في كل مرة ردود فعلٍ عنيفةٍ وحملاتٍ على الـ"سوشيال ميديا".
الأزمة الأشهر: أماني الخياط
وكانت أولى هذه الأزمات تحت عنوان "أماني الخياط والمغرب". ففي حلقة 16 يوليو/تموز، من برنامج "صباح أون"، انتقدت المذيعة أماني الخياط، دور المغرب في القضيّة الفلسطينيّة، ووصفت اقتصاد المملكة بأنه قائم على "الدعارة"، قائلةً إنّ ترتيب المغرب مُتقدم بين الدول المصابة بمرض "الإيدز".
أثار التعليق غضب المغاربة، وكتب أحدهم لصاحب قناة "أون تي في"، التي تعرض البرنامج، نجيب ساويرس، على حسابه على "تويتر"، شاكياً ما حدث. وهو ما دعا ساويرس إلى الرد على "تويتر" قائلاً "إنه لم يسمع بالأمر لكنه سيُحقق فيه".
وبالفعل اعتذرت القناة في بيان لها، كما اعتذرت الخياط نفسها على الهواء. غير أن ردود الفعل استمرت، واضطُرّت وزارة الخارجيّة المصريّة إلى الاعتذار عن طريق السفارة في الرباط. وانتهى الأمر بإعلان إدارة القناة قبول استقالة الخياط "نتيجة العيب والتجاوز في حق شعب شقيق وملك حكيم يُحبّ مصر".
وفي محاولة لتهدئة الأمور، نقل التلفزيون المصري وقناة "أون تي في" على الهواء مباشرةً احتفالات المغرب بعيد الجلوس الـ15 للملك محمد السادس. وطلب رئيس "اتحاد الإذاعة والتلفزيون" عصام الأمير من الشعب المغربي "تجاوز ما حدث من خطأ غير مقصود على الإطلاق، لأن ما بين الشعبين أبقى وأقوى".
حكمت عبد الحميد وآخرون
الأزمة الثانية، كانت تحت عنوان "حكمت عبد الحميد وغزة". فقد قرر التلفزيون المصري وقف المذيعة حكمت عبد الحميد، إحدى مقدمات برنامج "صباح الخير يا مصر"، لمدة أسبوع، بعد تعليقها على العدوان الإسرائيلي على غزة في حلقة بتاريخ 17 يوليو/تموز قائلة: "حماس تقول إمّا أن تفتح مصر معبر رفح وأن يتم إخضاعها للإشراف الدولي وإما نُقتل... طيب إحنا مالنا". وكانت حاضرةً أيضاً أزمة "قناة الفراعين وإسرائيل". فقد أذاعت القناة الإسرائيليّة الثانيّة بتاريخ 16 يوليو/تموز، تقريراً أشادت فيه بمذيعة قناة "الفراعين" حياة الدرديري، وصاحب القناة توفيق عكاشة، لما أبدياه من مواقف رافضة لحركة "حماس" أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.
وللإعلامي إبراهيم عيسى أزمته مع الأزهر أيضاً. فقد تعرّض عيسى لهجوم شديد على صفحات "فيسبوك" و"تويتر" بعد تصريحاته في برنامجه الرمضاني "مدرسة المشاغبين"، والتي قال فيها إنّه "لا يوجد شيء في الدين الإسلامي يُسمى عذاب القبر، أو الثعبان الأقرع". وأعلن الأزهر حينها عن تشكيل لجنة للرد على عيسى.
عبد الرحيم علي وساويرس
من جهتها، قررت إدارة قناة "القاهرة والناس" بتاريخ 18 أغسطس/آب، تعليق برنامج "الصندوق الأسود" الذي يُقدمه الإعلامي عبد الرحيم علي، والذي اشتهر بتسريب تسجيلات هاتفية لسياسيين وناشطين بما في ذلك من خرق فاضح للحياة الشخصيّة لعدد كبير من المصريين.
وجاء القرار بعد إعلان علي عن إذاعته لتسجيل مكالمة بين رجل الأعمال نجيب ساويرس، والسياسي المصري محمد البرادعي. وما أن أعلن علي ذلك على الهواء، حتى قامت القناة بقطع البث وأذاعت فيلماً كوميدياً قديماً. ثم أعلنت القناة في بيان لها أنّ "تعليق البرنامج جاء بسبب استغلال الشبكة في خلاف علني بين شخصين".
وكان ساويرس قد غرّد على "تويتر" قائلاً "مشاهدة حلقة ثانية من المخبر عبد الرحيم علي ستجعلني أتعاطف غصباً عني مع الإخوان المسلمين". ووضع علي التسجيل الذي لم يُذع على موقع "البوابة نيوز" التابع له. واستمرّت الحملة بين ساويرس وعلي، الذي أعلن عن إنشائه لقناة تحمل اسم برنامجه الموقوف "الصندوق الأسود". ثم فاجأ الجميع بظهوره على نفس "القاهرة والناس" في برنامج الإعلامي أسامة كمال، "القاهرة 360" وذلك في 29 أغسطس/آب لشرح موقفه.
محمد الغيطي والأسطول الأميركي
أثارت تصريحات المذيع محمد الغيطي في برنامجه "صح النوم" على قناة "التحرير"، التي قال فيها إنّ رجال الضفادع البشرية في الجيش المصري قد اعتقلوا أحد قيادات الأسطول السادس الأميركي ردود أفعالٍ كثيرة. وأضاف الغيطي أن مسؤولاً في القوات المسلحة اتصل بالرئيس الأميركي، باراك أوباما، طالباً منه عدم التدخل في الشؤون المصريّة.
ونشرت وسائل الإعلام فيما بعد على لسان ما وصفته بمصادر عسكرية نفياً لهذا الكلام. وانتقد إعلاميون كثر ما جاء على لسان الغيطي كمثال على عدم التدقيق فيما يتداوله الإعلام من أخبار، بالإضافة إلى الانتقادات التي طالته على مواقع التواصل.
لكنّ منظومة الإعلام المصري تغاضت عن الأخطاء الفادحة، التي ارتكبها هؤلاء، والتي وصلت إلى حدّ التوتر الدبلوماسيّ. وأُعيد المذيعون والمذيعات المفصولون من القنوات إلى العمل عبر نوافذ إعلاميّة أخرى، أو حتى على نفس القناة.
ويُبيّن التقرير عدداً من هذه النماذج، كإعادة الإعلاميّة رانيا البدوي إلى العمل بعد فصلها من قناة "التحرير" عقب إغلاقها الهاتف في وجه السفير الإثيوبي في القاهرة. وانضمّت البدوي إلى أسرة برنامج الإعلامي عمرو أديب، "القاهرة اليوم" على قناة "أوربيت".
كذلك، بعد إيقاف المذيعة مها بنسي لفترة عقب تعليقها على حالات التحرش في ميدان التحرير بالقول "مبسوطين بقى" على الهواء مباشرةً، عادت بهنسي إلى تقديم برنامجها "صباح التحرير ويك إند"، على شاشة قناة "التحرير".
أمّا المذيعة أماني الخياط، فقد عادت إلى العمل عبر قناة "القاهرة والناس" بدءاً من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك بعد فسخ تعاقدها مع "أون تي في".