"مذكرة لبنان والحياد الناشط" للبطريرك الراعي: تساؤلات وصعوبات

17 اغسطس 2020
مذكرة البطريرك الراعي تحتاج لإجماع (فايز نورالدين/ فرانس برس)
+ الخط -

أعلن البطريرك الماروني بشارة الراعي، اليوم الاثنين، عن "مذكرة لبنان والحياد الناشط"، خلال مؤتمر صحافي عقده في المقرّ البطريركي الصيفي في الديمان (محافظة الشمال)، فيما تثار تساؤلات بشأن الصعوبات التي قد تعترض المبادرة ما قد يؤخر جني ثمارها.

وترتكز المذكرة في بعدها الأول على "عدم دخول لبنان قطعياً في أحلافٍ ومحاور وصراعات سياسية وحروب، إقليمياً ودولياً، وامتناع أي دولة إقليمية أو دولية عن التدخّل في شؤونه أو الهيمنة عليه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكرية".

وفي بعدها الثاني، تدعو المذكرة إلى "تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الإنسان وحرية الشعوب ولا سيما العربية منها التي تجمع عليها دولها والأمم المتحدة"، على أن يكون البعد الثالث للحياد الناشط "تعزيز الدولة اللبنانية لتكون دولة قوية عسكرياً بجيشها ومؤسساتها وقانونها وعدالتها ووحدتها الداخلية وإبداعاتها لكي تضمن أمنها الداخلي من جهة وتدافع عن نفسها بوجه أي اعتداءٍ برّي أو بحري أو جوي يأتيها من العدو الإسرائيلي أو من سواه من جهة أخرى".

وأشار البطريرك الراعي، في كلمته، إلى أنّ "لبنان الحيادي يستلزم أن يصار إلى معالجة الملفات الحدودية مع إسرائيل على أساس خطّ الهدنة وترسيم الحدود مع سورية أيضاً، حيث إن نظام الحياد يؤمن الخروج من حالة النزاعات والحروب والأحداث الداخلية المتتالية".

ويتصدّر موضوع ترسيم الحدود العناوين السياسية في الآونة الأخيرة، ولا سيما مع زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، ديفيد هيل، الذي قيل إنه أتى حاملاً معه تسوية جديدة، قوامها ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة كمقدّمة لحلّ الأزمات في لبنان ولا سيما الاقتصادية منها. 

وتلقى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الذي يضع يده على الملف، تأكيداً من هيل على تقدّم حاصل في مسار الترسيم الذي يعتبره الأخير فرصة يحتاجها لبنان كما المنطقة.

كذلك تحدث الرئيس اللبناني ميشال عون، خلال مقابلة مسجلة مع تلفزيون "بي.اف.ام.تي.في" الفرنسي، مساء السبت الماضي، عن احتمال قيام سلام بين لبنان والعدو الإسرائيلي، فترك الباب مفتوحاً باستخدامه عبارة "Ça dépend"، أي "حسب تطورات الأوضاع".

وأضاف أن "لدى لبنان مشاكل مع إسرائيل علينا حلّها أولاً، فهناك أرض لبنانية لا تزال إسرائيل تحتلها، إضافة إلى حدود بحرية يجب أن يتم تحديدها".

وقال وزير العمل السابق سجعان قزي، المطلع على مبادرة البطريرك الراعي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأخير "سيبدأ بسلسلة مبادرات داخلية وعربية ودولية، وبداية الاتصالات كانت مشجعة جداً لبنانياً وخارجياً، وفي لبنان أكثرية كبيرة تؤيد الحياد، وأكثرية عربية اتصلت بالبطريرك وزارته وأبلغته تأييدها للحياد، وفي طليعتها دول الخليج والمغرب العربي والمحيط".

وأضاف "هناك ردود إيجابية من المجتمع الدولي، وأعلن عن ذلك صراحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية جان إيف لو دريان والموفد الأميركي ديفيد هيل والاتحاد الأوروبي وممثل الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش".

وفيما شدد على أن "الجو إيجابي حيال طرح البطريرك"، استدرك بالقول "لكنه يحتاج إلى ترجمة من خلال قرار لبناني وعربي ودولي، والقرار اللبناني إذا حصل يغني إلى حد ما عن أي قرار آخر لأنه يترجم وحدة اللبنانيين من خلال تعديل دستوري يدخل الحياد في الدستور اللبناني".

وتابع قائلاً "لكن إذا أعلن الحياد من اللبنانيين فقط، فإنه يدعى تحييداً يلزم اللبنانيين لا الأخرين، لذلك نريد أن يصدر قرار عن جامعة الدول العربية يؤكد احترام حياد لبنان ونريد صدور قرار من الأمم المتحدة يؤكد حياد لبنان كي نكون أمام التزامين، التزام لبناني بعدم التدخل بشؤون الآخرين والتزام هؤلاء بعدم التدخل بشؤون لبنان".

 

وتمنى قزي أن ينسجم "حزب الله" مع بقية الفئات اللبنانية وأن ينظر إلى مصير لبنان من خلال النظر إلى أفق إنقاذ البلاد، وكذلك إعادة النظر بسلاحه والالتحاق بالشرعية اللبنانية "لنعيش بوحدة واتفاق، فهو جزءٌ لا يتجزأ من الأمة اللبنانية وأدى تضحيات كبيرة، ولكن انتهى زمن استعمال السلاح وأتى زمن الحل السياسي"، على حد تعبيره.

الحياد يتطلب أيضاً تدخلاً من الأمم المتحدة، وقراراً دولياً، وحلّ العقد الموجودة في البلد

ولفت الوزير السابق إلى أنّ "البطريرك الراعي سيقوم بزيارة الفاتيكان في وقتٍ قريب"، وأنه "أكد أنّ الحياد ليس كبسة زرّ بل نضال قد يستغرق وقتاً وأمامه صعوبات عدّة، وبالتالي فإن المشروع غير قابل للتنفيذ الفوري، لكن هذا هو الحل الأساسي لإنقاذ كيان لبنان ووحدته واستقلاله وصيغة التعايش الإسلامي المسيحي".

من جهته، أعرب النائب في تكتل "لبنان القوي" (يرأسه النائب جبران باسيل)، روجيه عازار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن أمانيه في أن يسير لبنان بخطّ الحياد، لكنه استدرك بالقول إن ذلك يحتاج إلى عمل، ويتطلب الكثير من الخطوات، منها تحييد لبنان عن كل الضغوطات الخارجية.

وأضاف كذلك أنه "يحتاج إلى اتفاق داخلي ودولي، فعلى سبيل المثال، أي حياد في حال إقفال الحدود مع سورية نصبح أمام مشكلة في المواد الغذائية التي تأتي إلى لبنان من الأراضي السورية، وكذلك نصبح أمام مشاكل كارثية في حال إسقاط العدو الإسرائيلي أي صاروخ على لبنان".

وبالتالي، يقول النائب عازار، إنّ "الحياد يستوجب اتفاق سلام، ومبادرة من الدول العربية وتحضيرات كبيرة له"، معتبراً أنه إيجابي كعنوان لكن التفاصيل تحتاج إلى ورشة عمل.

ومضى قائلاً "هناك صعوبة لتحقق المشروع، فهل بالحياد إيران تنسحب من لبنان وإسرائيل تتوقف عن خرق أجواء لبنان وبحره وبرّه؟ هل بالحياد تتوقف المملكة العربية السعودية عن وضع يدها على لبنان، هي التي تعتبر نفسها تحوز على نصف لبنان وتتحكم به؟ وأي حديث عن الحياد واليوم هناك أساطيل عائدة لمجتمعات العالم في مرفأ بيروت؟!".

ولفت عازار إلى أنّ "الحياد يتطلب أيضاً تدخلا من الأمم المتحدة، وقرارا دوليا، وحلّ العقد الموجودة في البلد، منها ترسيم الحدود، وانسحاب العدو (إسرائيل) من مزارع شبعا الجنوبية، وتكوين علاقات مميزة مع الدول العربية كتلك الأوروبية، والانفتاح شرقاً كما غرباً، ويحتاج في الوقت نفسه إلى مصالحات داخلية وخارجية وإلى وقتٍ طويل كي يؤتي ثماره".

ودعا البطريرك الراعي من خلال المذكرة، الأسرة العربية والدولية إلى "تفهّم الأسباب الموجبة التَّاريخيَّة والأمنيَّة والسِّياسيَّة والاقتصاديَّة والثَّقافيَّة والحضاريَّة التي تدفع غالبيَّة اللبنانيِّين إلى اعتماد "الحياد النَّاشط"، وأن تُقِرَّ منظَّمة الأمم المتَّحدة في حينه نظام الحياد".