يتخذ فيلم "محبس" للمخرجة اللبنانية صوفي بطرس، بعداً آخر من مجموع القضايا التي تتناولها السينما اللبنانية. يطرح "محبس" طريقة سرد واقعية، على الرغم من المشاكل التي تقلل أحياناً من نجاح السينما اللبنانية، أو تضعها في مرتبة متأخرة. نجد أنفسنا اليوم أمام مادة سينمائية بسيطة، لواقع التعايش بين اللبنانيين والسوريين، اعتماداً على حكاية أقرب إلى الحقيقة من ردود الفعل العشوائية، والمتعلقة بالنزوح السوري بداية، إلى لبنان، وما ترتب على ذلك من تداعيات سياسية وأمنية واجتماعية.
تلعب الممثلة اللبنانية جوليا قصّار، دور "تريز"، وهي ربة أسرة مسيحية، في إحدى القرى اللبنانية، قُتل شقيقها في الحرب اللبنانية بقذيفة سورية، بحسب ما تشرح اللقطات الأولى من الفيلم. تأثرت تريز برحيل شقيقها بعد زواجها وإنجابها وحيدتها، وملأت منزلها بصور الشقيق، وهي تخاطبه، بشكل يومي، وكأنه يعيش معها.
تريز التي تسكنها عقدة من السوريين بسبب الحادثة، بدت امرأة قاسية، ما خلق هوة بينها وبين زوجها الممثل علي الزين، وحتى ابنتها "غادة"، سيرينا الشامي، التي أنهت دراستها في لبنان، واختارت العمل في دبي، وهناك التقت بسامر "جابر جوخدار" الشاب السوري الذي أحبته كثيراً. وحان الوقت، اليوم، لقدوم سامر مع عائلته إلى لبنان لخطبة غادة من ذويها.
لم يخبر والد غادة زوجته بأن العريس سوري الجنسية، وأنّه قادم مع عائلته إلى لبنان لإتمام الزواج، فالخوف الذي يسكن الزوج تغلّب عليه، حتى قرر مواجهة زوجته بالصدمة، ووضعها أمام الأمر الواقع، بعد وصول العريس وأهله. لا مفر من الرضوخ برأي الأب، لما اختارته وحيدتهما لمتابعة حياتها وزواجها ممن تحب، لكن الصورة تنقلب ضد الأب، في مشاهد مثيرة، لم تفلت من السخرية، وإسقاط واقع بعض اللبنانيين العنصري تجاه السوريين. صورة حاولت جارة العائلة، الممثلة بيتي توتل، التخفيف من حدّتها، فكانت إلى جانب العائلة تحاول التوفيق بين نارين. فالفكرة عند العائلة السورية عن اللبنانيين لم تكن في أحسن أحوالها. نادين خوري والدة سامر، بدت مستاءة من قصة هذا الزواج، لمعرفتها بطباع اللبنانيين بداية، خصوصاً أن تريز لم توفّر العائلة من الدقيقة الأولى لوصولها إلى لبنان من ألفاظ عنصرية، نسمعها كل يوم. لكنّها أبقت على تماسكها، ولم يوفّر زوجها، الممثل بسام كوسا، تلطيف الأجواء من خلال الطرائف وبعض المواقف المضحكة، قللت من جدية الأزمة، وبعض المواقف الصعبة. فحضر صباح فخري، كملك القدود، وذكريات كثيرة قام بها شقيق تريز المتوفي بالقذيفة السورية إلى أسواق الحميدية، وغيرها من البلدات السورية، لشدة تعلّقه وحبه لسورية.
في الشكل، حاولت صوفي بطرس، توظيف شخصيات الفيلم بطريقة مناسبة تماماً للمواقف التي امتاز السيناريو البسيط بها، لا مفردات متكلفة، بل بساطة بين اللهجتين السورية واللبنانية، وثياب مدروسة بعناية، شدّت من قبول العمل بطريقة مُبسطة للمشاهد، بعيدا عن التكلف في بعض المواقع في الفيلم.
لم تعتمد بطرس على البذح في الديكور ولا حتى البيوت. والواضح، أن هدفها كان أن تأتي كل الصور أقرب إلى الحقيقة، سوق البلدة، والاحتفال بعيد السيدة، تنازع أبناء القرية الواحدة، على أرض متوارثة، والاحتكام إلى رئيس البلدية، وغيرها من المشاهد المرسومة بعناية لتكمل القصة، وتنبش في يوميات يعيشها اللبناني والسوري، دون أن يشعر أحياناً.
في المضمون، رسائل كثيرة وجّهتها صوفي بطرس، ولو أنها لم تدخل في الخلاف السياسي القائم اليوم بين لبنان وسورية، والذي عكسته بطابع السخرية والنهفة، وصور من الماضي القريب الذي كان يجمع بين اللبنانيين والسوريين، نوع من "نوستالجيا" بسيطة حاولت بطرس تمريرها، من خلال صورة بسام كوسا، الأب المتعلق بالفرح وأجواء لبنان، وحتى طيبة نادين خوري"أم العريس"
اقــرأ أيضاً
التي تؤازر تريز وتضمد لها جرح يدها في موقف مؤثر، وتمادي تريز في رفض "العريس" بطرق لم تكن جوهرية، بل جاءت مكشوفة من اللحظات الأولى، منها تجنيد تيريز لمروان ابن الضيعة ليعود عاشقاً لغادة بعد سنوات من عشق المراهقة، جمعتهما قبل سفر غادة إلى دُبي، ولقائها بسامر، إضافة إلى إخفاء تيريز محبس الخطوبة في حقيبة والدة سامر، وما ترتب على ذلك من اتهام عائلة سامر بالسرقة ورفض الأم هذا الزواج.
نهاية سعيدة، يغلب فيها قلب الأم على كل الذكريات الأليمة التي عاشتها، ذكريات تريز لم تحمل لها إلا مزيداً من التفكك الأسري، ليأتي موضوع الخطوبة ويضع الإصبع على الجرح العميق، بدءًا من القذيفة السورية، ومقتل شقيقها، وغضبها على السوريين، وعنصريتها الزائدة تجاههم، وخسارتها بسبب الماضي الحزين للرابط الأسري الواجب. هربت ابنتها منها إلى دبي، وهناك أحبّت وعشقت، ولم تعرف أن والدتها ستمانع. خطاب أخير على مقعد في كنيسة البلدة، وضع النقاط على الحروف بين العلاقة المفترضة بين الأم والابنة، انتهت بمباركة تريز للزواج.
صور عاطفية تخرج نهاية الفيلم، حاملة دلالات أمل، يعيشها اللبنانيون والسوريون على حد سواء، غير خطابية، ولا تعترف بالوعظ المعتمد في بعض الأعمال السينمائية الأخرى. والاتجاه الأول كان معالجة المشكلة العائلية ليُصار إلى بناء زواج آخر، لا يهم اعتراف هذا الزواج بجنسية، ولا بثأر لمن قتل الآخر ولمن تعود الأسباب في ذلك كله.
اقــرأ أيضاً
تلعب الممثلة اللبنانية جوليا قصّار، دور "تريز"، وهي ربة أسرة مسيحية، في إحدى القرى اللبنانية، قُتل شقيقها في الحرب اللبنانية بقذيفة سورية، بحسب ما تشرح اللقطات الأولى من الفيلم. تأثرت تريز برحيل شقيقها بعد زواجها وإنجابها وحيدتها، وملأت منزلها بصور الشقيق، وهي تخاطبه، بشكل يومي، وكأنه يعيش معها.
تريز التي تسكنها عقدة من السوريين بسبب الحادثة، بدت امرأة قاسية، ما خلق هوة بينها وبين زوجها الممثل علي الزين، وحتى ابنتها "غادة"، سيرينا الشامي، التي أنهت دراستها في لبنان، واختارت العمل في دبي، وهناك التقت بسامر "جابر جوخدار" الشاب السوري الذي أحبته كثيراً. وحان الوقت، اليوم، لقدوم سامر مع عائلته إلى لبنان لخطبة غادة من ذويها.
لم يخبر والد غادة زوجته بأن العريس سوري الجنسية، وأنّه قادم مع عائلته إلى لبنان لإتمام الزواج، فالخوف الذي يسكن الزوج تغلّب عليه، حتى قرر مواجهة زوجته بالصدمة، ووضعها أمام الأمر الواقع، بعد وصول العريس وأهله. لا مفر من الرضوخ برأي الأب، لما اختارته وحيدتهما لمتابعة حياتها وزواجها ممن تحب، لكن الصورة تنقلب ضد الأب، في مشاهد مثيرة، لم تفلت من السخرية، وإسقاط واقع بعض اللبنانيين العنصري تجاه السوريين. صورة حاولت جارة العائلة، الممثلة بيتي توتل، التخفيف من حدّتها، فكانت إلى جانب العائلة تحاول التوفيق بين نارين. فالفكرة عند العائلة السورية عن اللبنانيين لم تكن في أحسن أحوالها. نادين خوري والدة سامر، بدت مستاءة من قصة هذا الزواج، لمعرفتها بطباع اللبنانيين بداية، خصوصاً أن تريز لم توفّر العائلة من الدقيقة الأولى لوصولها إلى لبنان من ألفاظ عنصرية، نسمعها كل يوم. لكنّها أبقت على تماسكها، ولم يوفّر زوجها، الممثل بسام كوسا، تلطيف الأجواء من خلال الطرائف وبعض المواقف المضحكة، قللت من جدية الأزمة، وبعض المواقف الصعبة. فحضر صباح فخري، كملك القدود، وذكريات كثيرة قام بها شقيق تريز المتوفي بالقذيفة السورية إلى أسواق الحميدية، وغيرها من البلدات السورية، لشدة تعلّقه وحبه لسورية.
في الشكل، حاولت صوفي بطرس، توظيف شخصيات الفيلم بطريقة مناسبة تماماً للمواقف التي امتاز السيناريو البسيط بها، لا مفردات متكلفة، بل بساطة بين اللهجتين السورية واللبنانية، وثياب مدروسة بعناية، شدّت من قبول العمل بطريقة مُبسطة للمشاهد، بعيدا عن التكلف في بعض المواقع في الفيلم.
لم تعتمد بطرس على البذح في الديكور ولا حتى البيوت. والواضح، أن هدفها كان أن تأتي كل الصور أقرب إلى الحقيقة، سوق البلدة، والاحتفال بعيد السيدة، تنازع أبناء القرية الواحدة، على أرض متوارثة، والاحتكام إلى رئيس البلدية، وغيرها من المشاهد المرسومة بعناية لتكمل القصة، وتنبش في يوميات يعيشها اللبناني والسوري، دون أن يشعر أحياناً.
في المضمون، رسائل كثيرة وجّهتها صوفي بطرس، ولو أنها لم تدخل في الخلاف السياسي القائم اليوم بين لبنان وسورية، والذي عكسته بطابع السخرية والنهفة، وصور من الماضي القريب الذي كان يجمع بين اللبنانيين والسوريين، نوع من "نوستالجيا" بسيطة حاولت بطرس تمريرها، من خلال صورة بسام كوسا، الأب المتعلق بالفرح وأجواء لبنان، وحتى طيبة نادين خوري"أم العريس"
نهاية سعيدة، يغلب فيها قلب الأم على كل الذكريات الأليمة التي عاشتها، ذكريات تريز لم تحمل لها إلا مزيداً من التفكك الأسري، ليأتي موضوع الخطوبة ويضع الإصبع على الجرح العميق، بدءًا من القذيفة السورية، ومقتل شقيقها، وغضبها على السوريين، وعنصريتها الزائدة تجاههم، وخسارتها بسبب الماضي الحزين للرابط الأسري الواجب. هربت ابنتها منها إلى دبي، وهناك أحبّت وعشقت، ولم تعرف أن والدتها ستمانع. خطاب أخير على مقعد في كنيسة البلدة، وضع النقاط على الحروف بين العلاقة المفترضة بين الأم والابنة، انتهت بمباركة تريز للزواج.
صور عاطفية تخرج نهاية الفيلم، حاملة دلالات أمل، يعيشها اللبنانيون والسوريون على حد سواء، غير خطابية، ولا تعترف بالوعظ المعتمد في بعض الأعمال السينمائية الأخرى. والاتجاه الأول كان معالجة المشكلة العائلية ليُصار إلى بناء زواج آخر، لا يهم اعتراف هذا الزواج بجنسية، ولا بثأر لمن قتل الآخر ولمن تعود الأسباب في ذلك كله.