شهدت اللسانيات خلال القرن العشرين تطوّراً كبيراً في الغرب، من روسيا إلى فرنسا، مروراً بالساحة الأنغلوسكسونية. عربياً، لم تتوفر ظروف لتطوّر مشابه، وهو ما يجعل من الترجمة السبيل الأساسي لتقليص الفجوة بين الفضاءين؛ العربي والأوروبي.
في هذا الإطار، تأتي ترجمة كتاب "مباحث منطقية لسانية" للمفكر اللغوي البريطاني بيتر فرايدريك ستروسن (1919-2006)، الذي صدر مؤخراً عن "معهد تونس للترجمة" ونقله إلى العربية الأكاديمي التونسي توفيق قريرة.
في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول المترجم: "يأتي ستروسن ضمن تيار الفلسفة التحليلية، وقد أسّس فلسفة على لغة الحياة اليومية واهتم بدراسة العلاقة بين اللغة الصورية واللغة العامة"، وعن الكتاب يقول: "صدر العمل في نسخته الأصلية عام 1971 وهو في أصله جملة من المقالات عددها 12 نشرها ستروسن على امتداد عشرين سنة في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ردّاً على مقالات أو إصدارات لها صلة بتقاطع المسائل المنطقية مع قضايا لسانية".
وعن إضافة هذا العمل إلى المكتبة العربية، يقول: "لترجمة النصّ أهمية في التعريف بفيلسوف بارز من المدرسة التحليليّة لم يرق الاهتمام به إلى درجة يستحقّها على الرغم من أنّه كان أبرز محاور لأعلام أثّروا في توجيه الدراسات اللسانية مثل نعوم تشومسكي في اللسانيات التوليديّة وجون أوستين في التيار المعروف اليوم بالتّداوليّة". ويضيف "هذه الترجمة تذكّر اللسانيّين قبل غيرهم بمبدأ ينسونه دائماً هو أنّ هناك خلفيّة فلسفية منطقية معاصرة أساساً وراء تفرّع اللسانيّات إلى اتّجاهات واختصاصات متعدّدة".
وحول واقع الترجمات ضمن هذا التخصّص إلى العربية بشكل عام، يرى قريرة أن "الترجمة إلى العربية فقيرة وهي لا تسدّ الرمق ولا تسدّ الفجوة العلمية ولا الأدبية بيننا وبين الأمم التي تنتج العلوم وهي عليها حكرُ شئنا لهم ذلك واعترفنا به أم لم نفعله".
الالتفات إلى مفكر بريطاني والترجمة له ليس أمراً شائعاً في تونس حيث يغلب اشتغال المترجمين على الفرنسية. ينسّب قريرة هذا الأمر حيث يرى أن "الجامعة التونسيّة" التي ينتمي إليها أغلب المشتغلين بالترجمة العلمية باتت منفتحة أكثر على العلوم المكتوبة باللغة الإنكليزية ولا سيّما في اللسانيّات التي تنتج موادّها اليوم وبنسبة كبيرة باللغة الإنكليزية".
يتابع "التعريب من الإنكليزية هو شأن الجيل الجامعيّ الثاني لحاجة معرفية قبل أن يكون ذلك موقفاً من لغة أو من أخرى. كما أنّ الترجمة عن الإنكليزية من الوسائط الفرنسية بات غير مقنع لكثرة من الأسباب أهمّها أنّ الترجمان الفرنسي يمكن أن يخون النص الأصلي أكثر من أن يخونه الترجمان العربي".