"ما إلك إلا أنور"

16 أكتوبر 2018
يعرف مكان المروحة هذه المرة (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -
"ما إلك إلا أنور" عبارة يتندّر بها أهل الحيّ على أحد سكانه ممن قسم بيته قسمين؛ أحدهما للسكن مع زوجته وابنيه ووالدته، والآخر كمحل للتصليحات. لكن، مع التندر حقيقة أكيدة أنّ الأربعيني أنور يلبّي الواجب المطلوب إذ يُقصَد. وغالباً ما يكون ذلك لجهاز كهربائي يتطلب التصليح، ويصلحه مهما تطلّب منه ذلك وقتاً، وبسعر مفاجئ في تدنيه. حتى أنّه يصلح أشياء يظن مالكها أنّها تستعمل لمرة واحدة فقط، فيعيدها إلى الحياة كما كانت في المصنع بألف ليرة لبنانية (0.67 دولار أميركي) لا غير.

يعرف أنور تصليح كلّ شيء؛ من جهاز التحكم عن بعد، إلى أدقّ المعدات الطبية، والمميز أنّه يستمتع بذلك كثيراً. فمتعة أولى أنّه يصنع سمعة في الحيّ وجواره يتحدث بها الناس عنه على أنّه "آدمي". ومتعة ثانية يخصصها أكثر لنفسه، وهي تمكنه من النجاح مرة بعد مرة، كأنّه في تحدٍّ دائم لا يمكن أن يخسره. يكفي أن تقول له: "شو القصة يا أنور تعطلت المروحة التي أصلحتها!!؟" ليجنّ ويلحّ عليكَ، وإن طوال أيام، كي تعيدها إليه ليصلحها مجاناً. حسرته الكبرى أن تقول له عندها، أنّك رميتها، بل هو حنق عليك، إذ أضعت عليه عنصراً من مواده الأولية الخاصة بالتحدي والتي ينشرها في بيوت الناس ومحالهم، ويهنأ بقدرتهم على تشغيلها فترة طويلة بعد تسلمها منه.

ينتهز أنور فرصة مجيء زبون إليه، ليحدثه عن الأوضاع العامة بلهجة فيها كثير من الغضب الذكي الذي يستفز المستمع ويجعله يعيد النظر في ما يؤمن به من معتقدات سياسية ومن يؤمن بهم من زعماء وأحزاب. قد يأتي زبون آخر فيدخله أنور في النقاش، ويجعلهما يتحاوران مع بعضهما البعض، فيتحول وهو يلف رقبته بشريط كهربائي لجهاز تلفزيون صغير معطل، ويضع في فمه فيوزاً (فاصم) يريد أن يعيده إلى الجهاز، بينما تعمل يداه بمفك براغٍ وبنسة (زردية) صغيرة، إلى أشبه ما يكون بمقدم برنامج حوار سياسي، بينما يتعارك الخصمان من الجهتين، ويختلس النظر من فوق نظارتيه إليهما ويبتسم بمكر.




حاول أنور أن يستفيد من سمعته الطيبة تلك؛ سواء رضاه بالقليل دائماً، ومهارته في تصليح كلّ شيء، وجلسته الممتعة في محله الصغير وإن خرج منها البعض بوجع رأس، وكذلك عدم تأخره عن أداء الواجبات العائلية والمحلية، في السياسة. وعلى الرغم من التحذيرات، خاض الانتخابات البلدية الأخيرة في وجه القوى السياسية المسيطرة، وخسر بالتأكيد، بل لم يحقق سوى عشرات الأصوات.

لكنّ أنور الذي يملؤه التحدي ويحركه أكثر من أيّ شيء آخر، ينتظر فرصة الانتخابات مجدداً، وإن بعد ست سنوات على تلك التي خسرها، ليحاول مجدداً. هو يعرف مكان المروحة هذه المرة، ولا بدّ من العمل على تشغيلها.
المساهمون