"للبيع": عبودية معاصرة محمية بالقوانين

22 يناير 2015
من المسرحية
+ الخط -

يشتبك المشاهد، منذ بداية مسرحية "للبيع" (عن نص العراقي قاسم محمد "آباء للبيع أو الإيجار") الذي اقتبسه أحمد مداح، وأخرجه محمد عباس إسلام لـ"المسرح الوطني الجزائري"؛ مع مشاهد تستفز فضوله لحلّ خيوطها، وقد يتوهم أول الأمر أنها مسألة سهلة، غير أنها سرعان ما تتداخل حتى تصير كتلة من الأسئلة والألغاز، لا تنتهي حتى بعد مغادرة القاعة.

تُفتح الستارة على شيخ طاعن في السن يستعرض خيبته في شقيقه الذي استولى على ثروته وأخرجه خالي الوفاض إلا من صدمة عميقة تركته مشلولاً ومصاباً بهذيان لا يتوقف. وبظهور ولديه وهما يبحثان عنه في سوق مختلفة تماماً، نكتشف أن الأب اختطف من سيارة في ظروف غامضة، وهو ما يحتم عليهما البحث عنه.

هنا، يُدخِل الممثلان الجمهور في عوالم يومية تنام على ظواهر خفية لا يتنبه إليها، أو إنّه أُجبر على عدم الانتباه، فيكتشفان أن اختفاءه كان على يد عصابة للتسول أجّرته لعجوز تستعطف به القلوب والأيدي المانحة.

يبدأ الاثنان رحلة البحث عن الأب، أسواقاً وأضرحة وزوايا يشتبكان فيها بإنسان يبيع الإنسان، ولا همّ له سوى تحصيل الثروة، وهو ما يلغي القيم المتعارف عليها إنسانياً، لتحلّ محلها قيم لا يدريان في أي خانة يصنفانها، وخصوصاً بعد أن يلتقيا موسيقياً يبحث هو الآخر عن ولده، إلى أن يقفا على مشهد يُعرض فيه أبوهما في المزاد العلني.

لا يطول الأمر قبل أن يقع الشقيقان في المصيدة، ويصبح الاثنان برفقة جميع الممثلين معروضين للبيع (عباس محمد إسلام، أحمد مداح، حفيظة برازي، عبد الرحمن إيكاريوان، وهيبة باعلي، منال تيلامين، سمير تواتي، إبراهيم جاب الله)، ليشتريهم من يدفع أكثر، ويسخّر مواهبهم في خدمة مصالحه وتحقيق أغراضه، ومنها استدراج المزيد من البشر إلى السوق.

عن العرض يقول مقتبس النص، أحمد مداح: "كثيراً ما نتهرب من مرارة واقعنا، بعدم الحديث عنه ومحاولة البحث عن بديل له. وبهذا، نكون قد منحنا هذا الواقع الذي لم نواجهه فرصة للتفاقم. العرض لا يشير إلى زمن معين، إذ إنه وسيلة للحديث عن الإنسان الذي طوّر طرق استعباده؛ الطرق التي باتت محمية بالقوانين والتأويلات المتعسفة للأديان".

لا ندري حدود نهاية الحكاية، غير أنها تحيلنا إلى جملة من الأسئلة والهواجس، منها قيمة الإنسان في عين أخيه الإنسان، ومدى استعداده لتجريده من حريته وفي أن يتصرف في نفسه كما يريد، باعتباره شريكاً في الفضاء والعطاء، ولعل سؤالاً يتبادر إلى الذهن بعد نهاية العرض مفاده: هل يمكن أن أباع وأنا في طريقي إلى البيت من المسرح؟

يذكر أن كاتب العمل، العراقي قاسم محمد (1936 - 2009) أحد أبرز المسرحيين العرب الذين أثروا في المسرحيين الجزائريين الشباب. فقد أقام الكثير من الورشات في الجزائر حين كانت عاصمة للثقافة العربية عام 2007. وعرضت بعض نصوصه على الخشبة في المسارح الجزائرية، وآخرها هذا العمل الذي يتجول هذه الأيام بين عدة مدن جزائرية.

دلالات
المساهمون