"كبّر الجمجمة" كلمة سر الرشوة في مصر

16 فبراير 2015
الرشوة في تفاصيل حياة المصريين (وكالة الأناضول)
+ الخط -
فتّح مخّك، كبّر الجمجمة، شوفني وأنا شوفك، راعيني أراعيك، فك الكيس... عبارات تتردد كثيراً في مصر، حين تسمعها، اعرف أن من يقولها يريد رشوة منك. أما المصطلح الأكثر شيوعياً فهو: "شخلل جيبك"، وتأتي هذه العبارة من صوت العملات المعدنية في الجيب، التي تحدث صوت "الشخللة"، وفق التعبير الشعبي المصري. إضافة إلى عبارات كثيرة أخرى، بذا يمكن اعتبار أن المصريين هم الأكثر إبداعاً في اختراع مصطلحات للحصول على رشوة. في حين أن أكثر الطرق التقليدية المعروفة في الإدارات العامة، هي أن يقوم الموظف بفتح درج مكتبه، منتظراً وضع الجنيهات فيه.

"فك الكيس" 
الفساد لا يقوم على طرف واحد، فالمرتشي كما الراشي متورطان في استمرار هذه السلوكيات التي تلحق الكثير من الضرر في هيكلة الاقتصاد، وتؤثر على كافة مناحي النمو الاقتصادي والاستثماري وحتى على الظروف المعيشية وثقة المواطن بدولة القانون.
وفي مصر، أصبحت الرشوة الوسيلة السهلة للحصول على كل شيء. تقول المواطنة نوارة إنه، إذا أراد مواطن ما أن يتصدر الطابور الممتد أمام مركز استشفائي، ما عليه سوى دفع الرشوة إلى المسؤول عن الحجز. إن أراد تسريع معاملة، عليه أن "يفك الكيس". إن توجه إلى الإدارة العامة فلا بد أن يقوم بتصوير مستند غير ضروري لخلق مناسبة لـ "تفتيح المخ". حتى في مواقف الأتوبيسات، حين تزيد الزحمة، يمكن أن ترشي السائق بدفع أجرتين لكي تصبح من المحظيين وأول الصاعدين إلى متنه.
وتؤكد مديرة الأبحاث الاقتصادية في مركز "هردو ‏للتعبير الرقمي"، نوله علي، أن الفساد في مصر لا مثيل له على مستوى ‏العالم. تدلل على حديثها بأن حصيلة الفساد في مصر ‏لأسبوع واحد، بعد قرار تعيين المحافظين الجدد كانت 536470 ‏تعدياً على أراضي الدولة بقيمة 214 مليار جنيه، وذلك وفقا ‏للجهاز المركزي للمحاسبات. و8.8 ملايين جنيه قيمة ‏المخالفات في وزارة الصحة. و96 ألف مخالفة في إحدى ‏شركات الأدوية التابعة للحكومة. وتؤكد أن ‏أزمة الفساد في مصر واتساعها لتشمل المواطنين، تحدث برعاية حكومية خالصة. ‏وتسأل: "لماذا إذن لا تتم محاسبة الفاسدين العاملين في جهازها الإداري والتنفيذي؟".‏

فساد القطاع الحكومي
يقول مدير منظمة مكافحة الفساد، شحاته محمد شحاته، إن أكثر ‏القطاعات التي تعاني من الفساد في مصر هو القطاع الحكومي، ‏سواء كان ذلك في الوزارات التابعة للحكومة أو في مجلس الوزراء ‏ذاته. ويستشهد شحاته بما نشر في الجرائد المصرية خلال الأيام ‏الأخيرة، من خطاب سري مرسل من وزارة الداخلية إلى وزارة ‏العدالة الانتقالية، ترفض فيه الوزارة الأولى تكوين مفوضية ‏مكافحة الفساد، مستنده إلى أن دستور 2014 انتهى بعد ‏دراسات عميقة إلى إلغاء «مفوضية مكافحة الفساد»، لما يترتب ‏عليها من تحميل ميزانية الدولة أعباء مالية باهظة، وهو الأمر ‏الذي يؤكد أن فكرة مكافحة الفساد في الدولة ذاتها فكرة ‏مرفوضة.‏
ويلفت الباحث الاقتصادي بمركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ‏محمد عبد الحكم، إلى إهدار مليارات الجنيهات سنوياً ‏في ما يقرب من 184 مركزاً و214 مدينة و95 حياً و1411 ‏وحدة محلية قروية، يتقاضى 35% من الموظفين فيها الرشاوى علناً ودون رادع ‏أو محاسبة. ويعتبر عبد الحكم أن هذا الأمر يؤثر على مصالح المواطنين بصورة ‏مباشرة.
يشدد عبد الحكم على أن الفساد في تزايد مستمر، وأن من بين ‏الأسباب التي تزيد من فرص انتشاره عدم وجود قوانين ملزمة ‏لحماية المبلغين والشهود، وعدم إصدار قانون جديد يوسع ‏اختصاصات النيابة الإدارية. ‏إضافة إلى ضرورة إلزام الجهاز المركزي للمحاسبات، وهيئة ‏الرقابة الإدارية، وكافه الجهات الرقابية الأخرى، بإبلاغ النيابة ‏الإدارية، بالمخالفات المالية والإدارية، التي تكشف أثناء مباشرة ‏هذه الجهات لاختصاصاتها الرقابية وذلك نفاذاً للدستور الجديد.‏

100 ألف قضية
مائة ألف قضية فساد حصيلة عام 2014 في مصر، ‏وفقاً لتقرير النيابة الإدارية، التي أكدت أن مصر شهدت ‏ارتفاعاً ملحوظاً في قضايا الفساد، في الفترة من أول يناير/كانون الثاني حتى ‏نهاية نوفمبر/تشرين الثاني. احتلت الهيئات والمنظمات والمؤسسات الحكومية المرتبة الأولى ‏في التورط بقضايا الفساد في مصر. ويكفي أن الفساد أضاع على ‏مصر ما يقرب من 357 مليار جنيه في "هيئة المجتمعات العمرانية". وهو ما ‏يوازي مرة ونصف مرة عجز الموازنة العامة للدولة. ويكفي أن ‏‏"بنك ناصر الاجتماعي" قام ببيع قصر البارون، أحد القصور ‏الأثرية، بقيمة 5300 جنيه للمتر المربع، في حين أن الثمن ‏الحقيقي للمتر المربع يتراوح ما بين 25 ألف جنيه و30 ألف ‏جنيه.
دلالات
المساهمون