وهي تقارب تاريخ مصر والشام في الفترة المتأخرة من العصر المملوكي، تقدّم الأكاديمية والباحثة المصرية أمينة البنداري ما بات يعرف بـ"قراءة من أسفل" للتاريخ، حيث تدمج "العوام" في سردية التاريخ.
ترصد البنداري في كتابها "عوام وسلاطين.. الاحتجاجات الحضرية في أواخر العصور الوسطى في مصر والشام" والذي نقله إلى العربية عثمان مصطفى وصدر مؤخراً عن "المركز القومي للترجمة"، التحوّلات الواسعة في أواخر القرنين الرابع عشر والخامس عشر والتي أثرت في مؤسسات الحكم نفسها.
تتوزع عناوين فصول الكتاب بين "مقدمة: القرن الخامس عشر الطويل"، و"تحوّل الدولة المملوكية"، و"مجتمع متقلب"، و"تعميم الثقافة والاتجاه البرجوازي"، و"بين الشغب والمفاوضات: السياسة الشعبية والاحتجاج"، و"الاحتجاج والخيال الاجتماعي في العصور الوسطى".
تتناول الكاتبة مختلف التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها السلطة المملوكية والطرق التي تعامل بها الحكام معها، من الاحتكارات التجارية والفروض الضريبية مروراً بانتشار الطاعون، وصولاً إلى تخفيض قيمة العملة؛ إذ يظهر أن ردود السلاطين المماليك على هذه الأزمات أدّت إلى تحولات طويلة المدى غيّرت طبيعة المؤسسات المملوكية.
في جانب آخر، يبحث الكتاب في السكان والتغيّرات الديمغرافية، ويركز على سلطة القبائل البدوية المتزايدة في العديد من مناطق الريف وتأثيرها على مجتمعات الفلاحين والحياة الحضرية. كما يستكشف تحرّك مجموعات عرقية مختلفة من أطراف المجتمع أقرب إلى المركز، وظهور طبقة جديدة من ملاك الأراضي، وهي تغييرات تسبّبت في قلق وتوتر واحتجاجات متكررة في المدن المختلفة.
تلتفت الباحثة أيضاً إلى تعميم الاطلاع الأدبي وتطور الاتجاه البرجوازي، فتنظر في العوامل التي تقف وراء انتشار الثقافة والإنتاج الثقافي، إلى جانب الصلة بين الحراك الاجتماعي والاتجاه البرجوازي.
وفي قراءة لمختلف نماذج الاحتجاج الشعبي، تدرس البنداري الطرق التي تفاوضت بها مجموعات مختلفة في المجتمع المملوكي على مصالحهم مع السلطات. تذهب هنا إلى أن سلوك عامة الناس، لا سيما النخب غير الحضرية، وقراراتهم، واحتجاجاتهم، كانت جزءاً من التحولات التي حدثت في ذلك الوقت وانعكاساً للطريقة التي تشارك بها مجموعات أكبر في المجتمع في سياسات زمانهم.
وتكشف الكاتبة كيف كان يمكن حتى للأشخاص الذين ليس لديهم وصول مباشر إلى السلطة اللجوء إلى مجموعة متنوعة من الوسائل، بما في ذلك الاحتجاجات والمظاهرات لإسماع أصواتهم بشأن قضايا مثل الضرائب والرسوم والظلم وفساد المسؤولين.
من جهة أخرى، تلفت البنداري إلى تلاعب السلطة بالاحتجاجات في بعض الأحيان وتوجيهها للسماح بتفجيرات من شأنها أن تخفف الضغط الاجتماعي، مناورات كانت شائعة خلال الفترة المملوكية المتأخرة، بحيث باتت الاحتجاجات محاولات للحفاظ على نظام اجتماعي وتقاليد وامتيازات عرفية راسخة في مواجهة التغيرات والتحولات الاجتماعية العميقة.