تمثّل عمارة المسجد مجالاً بحثياً مهمّاً على عدّة مستويات؛ أولها يتعلّق برمزية تجسيده للدعوة الإسلامية التي أنشأت مشروعاً سياسياً امتدّ من الصين إلى الأندلس، وثانيهما بدوره كفضاء تعليمي يعكس توجّهات السلطة أيضاً وحضورها الاجتماعي والثقافي.
وبموازاة وظائفه التي انسجمت مع جوهر الدولة الإسلامية وروحها، أتت أشكاله ونماذجه في السياق ذاته؛ حيث الأرابيسك والزخرفة تعكس عقيدة التوحيد، وكذلك الحروفيات التي تمتلك قانوناً هندسياً يحكم نسب أشكالها في علاقة بعضها ببعض ويعبّر عن وحدة الوجود.
"عمارة وتاريخ جامع الأزهر" عنوان المحاضرة التي يلقيها الباحث المتخصص في الآثار الإسلامية والمملوكية يوسف أسامة عند السادسة من مساء السبت المقبل، الثامن من الشهر الجاري، في "بيت المعمار المصري" في القاهرة.
تطرح المحاضرة تساؤلات مثل: لماذا الأزهر وحده الذي تعرض لكل هذه التقلّبات؟ ولماذا وحده الذي يصمد؟ في محاولة لقراءة تاريخ وعمارة هذا المعلم التاريخي بين التأسيس والتحوّل من الفترة الفاطمية إلى الأيوبية، ومن المملوكية إلى العثمانية خلال حوالي ألف عام.
يشير أسامة إلى أن الأزهر يُعدّ رابع مسجد شُيّد في مصر عام 970 ميلادية بعد جامع الفسطاط الذي بناه عمرو بن العاص في العاصمة التي حمل اسمها، وجامع العسكر الذي اندثر في العاصمة الثانية التي اتخذها المسلمون واتخذ اسمها أيضاً، ثم مسجد القطائع الذي بناه أحمد بن طولون، والجوامع الثلاثة هذه بنيت خارج القاهرة.
ويوضّح أن تسميته تحتمل عدّة فرضيات منها أكثرها ترجيحاً نسبة إلى فاطمة الزهراء بحضورها الخاص لدى الفاطميين الذين كانون يعتنقون المذهب الشيعي الإسماعيلي، وهناك رأي تاريخي آخر يذهب إلى أنه مقابل القصور الزاهرة الاثني عشر التي بناها الفاطميون، أو أنها تنافس مدينة الزهراء الأندلسية.
كما يلفت إلى أن الخليفة الفاطمي الثاني، العزيز بن المعز، هو أوّل من أمر بتدريس المذهب الإسماعلي ضمن نظام يحدّد الكتب التي يدرسها الطلبة وأجور المدرّسين، مبيّناً الإضافات التي قام بها الفاطميون أكثر من مرّة، حتى جاء الأيوبيون وأوقفوا خطبة الجمعة كما عطّلوا التدريس في الجامع.
يقف أسامة أيضاً عند التحوّل الذي شهده الأزهر مع الظاهر بيبرس مع إعادة التدريس فيه وفق مذهب أهل السنّة والجماعة، وحافظ على مكانته الروحية منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.