"عرس الدم" لا يفارق الخشبة

01 مارس 2015
(تصوير: فضيل حدهم)
+ الخط -

لا تكاد استعادة مسرحية الشاعر الإسباني فيديريكو غارسيا لوركا تنتهي في مسرح ما، حتى يستعيدها مخرج آخر على مسرح آخر. إنها عمل لا يفارق الخشبة تقريباً، وها هو "مسرح عنابة" في الجزائر يقدمها من جديد بإخراج زياني شريف عيّاد، بل وبترجمة جديدة نفّذها الباحث الموسيقي نور الدين سعودي.

في المشهد الأول، يظهر ممثلو مسرحية "عرس الدم" وسط القاعة من بين الجمهور، يخاطبون المتفرجين ويحذرونهم من مضمون المسرحية التي تخوض في أمور خطرة. ما على هؤلاء إلا أن يستعدوا لأن يسمعوا ويروا هذا الخدش المحتمل لأعرافهم العامة، فسرعان ما يبدأ العمل في مواجهة الأسئلة والهواجس بلغة عارية.

"عرس الدم" (1933)، هي النص الأول من "ثلاثية الريف" للوركا، وقد حافظ عيّاد على بنيته الأصلية، فهو يرفض، كما صرّح لـ"العربي الجديد"، فكرة الاقتباس من النصوص المسرحية نفسها، لأن روحها إنسانية بالضرورة، وتملك القدرة على الوصول إلى الشعوب كلها؛ لأنها تخاطب ما هو مشترك بينها.

المرأة والأرض أو المرأة/الأرض هما من ضمن هذه المشتركات الإنسانية، وهما ثيمتا العمل. يظهر ذلك في العبارة الختامية التي تلقيها الأم في المسرحية (الممثلة أسمهان فرفار)، حين تقول: "دعي وجهي بعيداً عن يديك، أرى أياماً قاسية في الأفق، ولا رغبة لي في رؤية أحد. فقط أنا والأرض".

تختفي هذه الأم أكثر ممّا تظهر، ما يُعطي الانطباع بأنها ثانوية في العرض، بالمقارنة مع الشخصيات الأخرى. غير أن حضورها حاسم في فهم لعبة الأقدار التي تسيّر الآخرين، بل إنها يد الأقدار نفسها في فضاءٍ ريفي إسباني بسيط، يصحو وينام على هواجس لا تخرج عن تعلّقه بالمرأة والتراب، حتى أن الجرائم المقترفة فيه هي ثمرة لهذا التعلّق.

من هذه "الجرائم"، هروب العروس (تقوم بدورها الممثلة ليديا العريني)، من خطيبها (الممثل محمد حضري)، مع خصمه وغريمه (الممثل جمال دندان)، في يوم عرسهما. يفاقم الجرم أن هذا الغريم هو ابن العائلة التي قتلت والد الخطيب سابقاً من أجل الأرض.

هنا، توظف الأم كل أسلحتها لتقنع ولدها المغدور بملاحقة غريمه ليوناردو والانتقام لشرفه المهدور، فينطلق في الغابة مصحوباً بشبح يتّشح بالسواد يوحي بأنه الموت الذي يطارد الجميع، وبالفعل يكون الشابان من نصيب الموت في نهاية المبارزة.

يقوم العمل كله على لغة شعرية عالية ظهرت بقوة في المشهد الختامي الذي تلتقي فيه الخطيبة والأم بعد المبارزة التي أودت بحياة رجليهما. أمّا الجانب السينوغرافي في المسرحية فقد حمل تجديداً، إذ عمد التشكيلي أرزقي العربي إلى لوحات متحركة يحملها الممثلون، تتضمّن رسومات ومشاهد تجسّد روح العرض. فجاء البيت، مثلاً، على شكل مروحة كبيرة كل شق منها في يد امرأة. هذا الخيار جعل من السينوغرافيا شريكة في التمثيل.

دلالات
المساهمون