"عرب الإمبراطورية العثمانية": مفهوم الدولة والانتماء

01 ابريل 2018
دمشق عام 1870، تصوير الفوتوغرافي والكاتب الفرنسي فيليكس بونفيس
+ الخط -

تعدّدت المؤلّفات التي درست تاريخ الدولة العثمانية، وتركّزت معظمها شرقاً وغرباً على المسار السياسي الذي حكم صعودها نتيجة لتفكّك وضعف الدول المسيطرة على تركيا والعالم العربي والبلقان، وازدهارها في القرنين السادس والسابع عشر، ثم تدخّل القوى العظمى وسعيها لإضعافها منذ نهايات القرن الثامن عشر.

"عرب الإمبراطورية العثمانية: تاريخ ثقافي واجتماعي (1516-1918)" عنوان الكتاب الذي نشره الباحث الأميركي بروس ماسترز عام 2013، وتتبّع خلاله العوامل الاقتصادية التي أفرزت طبقات المجتمع، والعلاقات في ما بينها وبين السلطة الناشئة في إسطنبول، وتعبيراتها الثقافية في الزوايا الصوفية والكتابات الفكرية، وصدرت ترجمته عن "دار الرافدين" في بيروت حيث نقله للعربية عبد الحكيم ياسين.

اهتمّ المؤلف بالتاريخ العثماني في دراساته العليا حيث أقام عدّة أعوام في الشرق، وعاد في مراجعه كثيراً إلى المؤرّخين التركي خليل إينالجك (1916 - 2016)، والسوري عبد الكريم رفيق (1931)، اللذين ساهما في إطلاعه على وثائق السلطنة وسجلات محاكمها ومخططاتها وتشريعاتها، ورؤيتهما -على اختلافهما- للحياة الاجتماعية ونمط العيش في تلك الحقبة التارخية التي جاوزت أربعة قرون.

يرصد الكتاب طبقتين اجتماعيتين كانتا الداعم الأساسي للأستانة: رجال الدين وأعيان المدن، الأولى من خلال منحها الشرعية الدينية للسلطنة باعتبارها حامية الإسلام والمسلمين، بينما شكّلت الثانية طبقة سياسية اقتصادية لها نفوذها الواسع في المدن العربية الرئيسية من خلال مصالحها الوثيقة بالنظام.

يتناول صاحب كتاب "جذور الطائفية" (2011) في مقدّمته "الإمبراطورية: الحاضرة والهامش" مسألة الهوية والتحقيب الزمني لتلك المرحلة في تاريخ العرب، ثم ينتقل في الفصل الأول "استقرار الحكم العثماني واستمراره" إلى عرض توسّع السلطنة شرقاً وجنوباً وفي شمال أفريقيا بعد هزيمة المماليك، ثم ظهور الولاة المحليين بين عامي 1516 و1798، في دراسة مصر كحالة خاصّة في هذا السياق.

يناقش الفصل الثاني "مؤسسات الحكم العثماني" في إداراتها الإقليمية والقضاء والقطاعات العسكرية وكيف مثّلت هذه الهيكلة استمراراً للماضي في جانب، وقطيعة معه في جوانب أخرى، بينما يقارب الفصل الثالث الاقتصاد والمجتمع ونشوء التجارة في المدن وتأسيس النقابات والقوانين والأنظمة في محاولة للإجابة على سؤال: هل كان هناك اقتصاد عثماني؟

"عالم من العلماء والقديسين" عنوان الفصل الرابع الذي يفصّل تطوّر التصوّف وإرث ابن عربي، ومواجهة التيارات الصوفية لاحقاً مع حركات إصلاح دينية ودعوات التجديد، التي ظهرت في القرن الثامن عشر. وفي الفصل الخامس "الإمبراطورية في الحرب: نابليون والوهابيون ومحمد علي" يبحث في عوامل مهمة كان لها دورها في تحديد مستقبل السلطنة، متمثّلة في الحملة الفرنسية على مصر، والتنافس مع الوهابيين على حماية المقدّسات والاضطرابات الداخلية التي وقعت في أكثر من مكان ثم ظهور إبراهيم باشا كقوة مستقلّة في القاهرة.

يدرس الفصل السابع "التنظيمات وزمن إعادة تشكّل العثمانية" استعادة السلطنة سلطانها بعد سلسلة من الهزات التي أصابتها، وتصاعد الطائفية في عدد من مناطق حكمها في الشام ولبنان، والتدخّلات الأجنبية وغيرها من العوامل التي قادت إلى إقرار الدستور عام 1876، وانتخاب أوّل برلمان وظهور القوى والجمعيات السياسية.

يختم الفصل الأخير بالحديث عن نهاية العلاقة بين العرب والعثمانيين، من خلال دراسة ظواهر اجتماعية ومقاربات فكرية هيمنت على تلك الفترة، كصعود البرجوازيات الجديدة، وعدد من الأيديولوجيات المتنافسة، وطرح سؤال الخلافة والجدل حوله، ودور "جمعية تركيا الفتاة" في تغيّر مسار الإمبراطورية، ودخول العرب إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وصولاً إلى مراجعة مفهومي الدولة والانتماء.

المساهمون