"ضفائر النار"... الجندرة في خدمة النظام السوري

26 مارس 2018
قتل أطفال وأمهاتهم في الغوطة (عامر المهيباني/فرانس برس)
+ الخط -
كما جرت العادة، استقبلت أسماء الأسد مناسبة عيد الأم هذه السنة بفيلم جديد من بطولتها، حمل عنوان "ضفائر النار"، وأهدته للمتطوعات بالجيش السوري النظامي وأمهاتهن. وتم نشر الفيديو من خلال صفحة "رئاسة الجمهورية العربية السورية" على فيسبوك. 

البنية الأساسية للفيلم ترتكز على خطاب تلقيه أسماء الأسد على مسامع ضيفاتها اللواتي يخدمن الجيش السوري قيل إنّهنّ أتين من الغوطة الشرقية، وتتخلله بعض المشاهد تروي بها المجندات وأمهاتهن شهاداتهنّ الحية. وتبدو سمة التناقض هي السمة الرئيسية لخطاب الأسد، إذ أنها تستخدم بخطابها لغتين متباينتين؛ اللغة الأولى تنتمي للخطاب المتحرر الذي ينادي بالمساواة بين الرجل والمرأة والخروج عن القيود الجندرية للمجتمع، كأن تطالب الأسد النساء السوريات بالمشاركة بما تسميه بـ"الدفاع عن الوطن"، من خلال حملهن للسلاح ودون أي اعتبارات جندرية! في حين أن اللغة الثانية التي تستخدمها الأسد هي متأصلة في المجتمع الأبوي الذكوري، حيث تعتبر الأسد أن مشاركة هؤلاء الفتيات في المعارك الحربية، هي عارٌ على كل رجل لم يحمل السلاح في سورية، وتنتزع عن الشباب السوريين الذين هاجروا البلاد هاربين من خدمة العلم صفة "الرجولة"، لتلقبهنّ بالذكور الهاربين!

فالفيلم يستخدم مفاهيم نادت بها الثورة السورية كالمواطنة ونبذ الجندرية، ولكن بطريقة ممنهجة تجعل تلك المفاهيم تصب في خدمة مصالح النظام السوري وعسكرة الدولة. ويبدو ذلك واضحاً من خلال العبارة التي اختارتها أسماء الأسد لتفتتح بها خطابها، حيث تقول: "سورية يلي دافع عنها الكل، بما فيهم صباياها، الصبايا يلي ضفروا شعراتهم وأجلوا أحلامهن وتركوا أهلن ولبسوا البدلة العسكرية بدل فستان العرس وحملوا البارودة بدل دفتر الدراسة وراحوا يدافعوا عن تراب بلدهن"، ففي هذه الكلمة تقرن الأسد تحرر المرأة السورية وكسر الصورة النمطية لها بالمجتمع من خلال انضمامها للجيش السوري النظامي.

وتؤكد المتطوعات من خلال شهاداتهن على رغبتهن القديمة والمتأصلة بكسر الصورة النمطية للمرأة، والتي تحصرها بالتعليم والعمل في المنزل، فيبدو تطوع الفتيات في الجيش تلبية لضرورة التحرر والانفتاح! وهذا ما تؤكد عليه الأسد من خلال وصف تجنيد الفتيات بـ"الفتح الجديد" الذي لا ينحصر تأثيره فقط على أرض المعركة، وإنما له أثر بالغ بتغيير مفاهيم كاملة سائدة بالمجتمع السوري منذ سنوات طويلة. فتجنيد الفتيات يتم طرحه بقالب مغاير، بوصفه "يعبر عن مواكبة الحضارة" فالمرأة المحاربة تبدو وكأنها تختزل صورة المرأة العصرية، وهي نموذج يحتذى به، ويبدو ذلك من خلال الشهادات، التي تصف فيها الفتيات أنفسهن ويعبرن عن دور التطوع في الجيش باستقلالهن المادي والمعنوي، وكيف استطعن خلق حياة اجتماعية لهن بمفردهن بعيداً عن عائلتهن، دون إغفال الجاذبية والهيبة والسلطة التي تكتسبها الفتاة عندما تتطوع. وتؤكد الأسد على ذلك في خطابها، إذ أنها تعتبر بأن التطوع في الجيش لا يلغي الأنوثة، مستشهدة بجمال المجندات اللواتي يظهرن بالفيلم متجمّلات.

ورغم ذلك، فإن الطابع الذكوري يغلب على جميع الشهادات، حيث تصف الفتيات أنفسهن بالرجال لقدرتهنّ على التحمل، وذلك ما يتم التركيز عليه من خلال مشهد تمثيلي مفتعل، يصور مجندة وهي تحادث والدها عبر الهاتف، وتقول له: "لا تخاف بابا، أنت مخلف رجال مو بنات".

فخطاب الفيلم لا يمكن أن نقرأه بمعزل عن الرسالة التي يحملها، فهو فيلم يروج للعسكرة، ويستخدم اللغة المتحررة بمحاولة بتجنيد النساء، ويعود لاستخدام معايير المجتمع الأبوي بمحاولة لتجنيد الذكور. وكذلك فإن الفيلم هو جزء لا يتجزأ من سياسة النظام التي لطالما استغل المرأة فيها لصالحه، حيث أن أي دور تجسده المرأة في السلطة هو دور شكلي، يهدف لتلميع صورة النظام عالمياً، ولإظهاره بمظهر متحضر. واليوم يستغل النظام أجساد النساء في المعارك من باب المساواة بين الرجل والمرأة، وهو النظام نفسه الذي استخدم الاغتصاب كنوع من أنواع التعذيب في المعتقلات، والذي خطف واعتقل النساء في محاولة للضغط على الثوار.
المساهمون