يبدو الأمر في الحالتين كما لو أن فئة، وإن كانت صغيرة، ما زالت مصرّة على التعبير عن الوجه النظيف والأعزل في هذا الظرف الحالك، وما زالت حريصة على التنديد بالنفايات، العينية وتلك التي ينتجها العقل الأزرق (على غرار الدم الأزرق)، وعلى رأسها العنصرية ضدّ اللاجئين، لا سيما وأن أخبار حظر تجوال السوريين ليلاً تملأ البلد.
يمشي اللبنانيون يومياً بمحاذاة النفايات؛ الأزمة الشهيرة خفتت إعلامياً وفشل الحراك الذي تململ بسببها، لكنها لم تختف كثيراً من أرض الواقع، بل إنها مرشحة للعودة وبشدة، من هنا مفارقة عرض فيلم "صفر نفايات" في بلاد عامرة بها، وأصبحت حلولها متعلّقة بكل منطقة وبمبادرات ضيقة من بلدياتها وأهلها، لا سيما وأن مساحة المطامر التي قدّمها الحل الحكومي تمكنها معالجة 500 طن من النفايات فقط، في حين أن الكمية المتبقية تبلغ من 2500 إلى 2900 طناً، فما العمل بهذه الكمية؟ يتساءل مختصون بالبيئة وصحافيون بأصوات غير مسموعة هنا وهناك.
الأصوات غير المسموعة ستمشي غداً في مسيرة صامتة، احتجاجاً على الممارسات العنصرية التي زادت ضد النازحين السوريين، لا سيما بعد أن تذرّعت بالهجمات الإرهابية الأخيرة في بلدة "القاع" في البقاع، حيث وقعت سبع هجمات انتحارية في 27 حزيران/ يونيو، قتلت خمسة أشخاص وجرحت 28، رغم أن منفذيها ليسوا من اللاجئين السوريين، وفقاً لتصريحات قوات الأمن الداخلي اللبناني آنذاك.
تتناقل الأخبار، أن محافظ بعلبك-الهرمل بشير خضر سيفرض حظراً للتجوّل على اللاجئين السوريين خلال مهرجانات بعلبك الدولية المرتقب، والذي سيقام من الجمعة، 22 تموز/ يوليو حتى 28 آب/ أغسطس المقبل، ورغم نفي خضر شفهياً تمديد الحظر، لكن يبدو أن الإجراءات على الأرض تقول شيئاً آخر.
وسواء أكان الأمر مسيرة صامتة أو حراكاً بـ "الفم الملآن" أو أنشطة ثقافية وعروضاً سينمائية تحضرها الوجوه نفسها، يبدو أن ما جاء في بيان المسيرة هو الوصف الأدق للحالة اللبنانية التي تنتج خطاباً عنصرياً ضدّ نفسها أيضاً: "كلنا لاجئون أو مشروع لاجئين، في بلاد مهددة باقتتالات وحروب طائفية مستمرة تعيد إنتاج السلطة وسيطرتها على المجتمع".