11 يونيو 2020
"صارت معي"... نحن الناجين نخبركم بأنّنا نموت بطرق أخرى
طبيب سوري يروي لنا معاناته..
ويحدث في "بلاد العرب أوطاني" أن يتقن المرء لغاتٍ ثلاثاً ويلمّ برابعة، ويكون علاوة على ذلك شاعراً وكاتباً، ولا يجد فرصة عمل في مجال الحرف.. أمّا السبب فهو غياب فيتامين "التزكية".
"صارت معي" وهي مستمرة منذ سبع سنوات حتى هذه اللحظة..
ويحدث في "بلاد العرب أوطاني" أن يتقن المرء لغاتٍ ثلاثاً ويلمّ برابعة، ويكون علاوة على ذلك شاعراً وكاتباً، ولا يجد فرصة عمل في مجال الحرف.. أمّا السبب فهو غياب فيتامين "التزكية".
"صارت معي" وهي مستمرة منذ سبع سنوات حتى هذه اللحظة..
نحن الناجون بحياتنا من الحرب التي تمزّق سورية. الناجون من الموت، من البرد من الغرق أو من التضوّر جوعاً أو طلقات رصاص على حدود دول ترفضنا وكأنّنا طاعون أو الاختناق في صناديق الشاحنات في محاولات فرارنا من جحيم بلادنا إلى أوروبا.
نحن الذين وصلنا إلى برّ الأمان بسلام. وبما أنّني من هؤلاء المحظوظين مقارنة بأهل وأصدقاء وأحباب قضوا في معركتنا الوحشية. أود أن أخبركم بأنّني بالفعل نجوت من الموت، لكنّني سقطت في دوّامة من الغربة وحياة أبحث فيها عن نفسي. وكأي شاب يتخرّج طبيباً، كانت سعادة أهلي لا توصف.
شهادتي، كانت بمثابة الوثيقة التي تضمن مستقبلي في نظرهما. ذلك الأمل الذي ارتسم على محياهما، لم يدم طويلاً، وتبعثر في فضاء ديكتاتورية النظام وتلاشى متكسراً على جثث أبناء شعبي، الذين حُرمت من علاجهم وقتلوا من أجل كلمة حق. جريمتي أنّني شخص مستقلّ بآرائه ومؤمن بحرية التعبير. لم أتملّق للنظام ولم أجامل أو أمجّد الرئيس أو من حوله، كما اعتاد أجدادي وأهلي من قبلي، كي يستمرّوا في العيش بسلام على أرضهم.
انفلتت آرائي المتمرّدة، تنتقد النظام ومن يدعمه ويؤيده. شعرت بأنّ من حقي ومن حق أهلي وأبناء شعبي السوري، التخلّص من هذا الكبت الذي أطبق على أنفاسنا من عشرات السنين.
أنا طبيب، ولأنني من معارضي النظام في سورية، مُنعت من مزاولة مهنة الطب ومن السفر خارج البلاد لمدّة خمسة أعوام. ومع انطلاق الثورة السورية، لجأت على غرار ملايين السوريين إلى البلد الجار تركيا أملاً في حياة أفضل.
وتركيا كغيرها من بقية دول العالم، لا تخلو من التحزبات والتكتلات والانتماءات. لذلك وجدت صعوبة في الحفاظ على استقلاليتي أو انتمائي للحقيقة غير المرغوب بها من قبل شريحة واسعة من الناس. فالحقيقة كما نعلم جميعنا، منبوذة لا مكان لها إلا على هامش المحسنات البديعية في الخطابات والشعارات الاستهلاكية الفضفاضة.
وبعد أن يئست من العمل في مجال الطب في تركيا، لجأت إلى بحر الإنترنت بحثاً عن فرصة للكتابة فلم أجد. فاقتنصت الفرص النادرة للعمل في الترجمة، وكان ذلك على فترات زمنية متباعدة.
لم أستسلم، ورفضت أن أتوقّف عن الكتابة من مبدأ الممارسة وحتى لا أنسى الأسلوب اللغوي.
وكما نعلم، فاللغة التي نهملها تهملنا والنسيان يقابل بالنسيان. فرحت أنشر المقال تلو المقال في مواقع صحافية وإخبارية ترحب بالناشرين بالمجان، حتى أصبح حالي كحال جساس بن مرة الشيباني البكري، شاعر من أمراء العرب في الجاهلية، حين أنشد:
وإذا تكونُ كريهةٌ أُدعى لها
وإذا يُحاسُ الحَيسُ يدعى جندبُ
وجندبُ هو شقيق جساس، إذ كان جساس يدعى للمعارك والقتال، ويدعى جندبُ للولائم وتصدّر المجالس.
على التوازي، نشرت الكثير من القصائد، تعزية للذات ورثاء للحال وبحثاً عن كلمة إعجاب، تُدخل النشوة إلى النفس. وفي ظل غياب المادحين، كنت كمن يتسوّل الكلمة الحسنة في زقاق يعجّ بالأشرار، حتى أنّك تُعاقبُ على النوايا قبل الأفعال.
نحن المتمّردين على الظلم، لفظنا النظام ومن يلف لفيفه من أبناء شعبنا، واتُّهمنا بين ليلة وضحاها بالخيانة. حوّلونا إلى أعداء للوطن على الرّغم من كل التضحيات والجهود التي قدّمناها وقدّمها أجدادنا وأهلنا من قبل. نحن الناجين الذين يحسدهم كثيرون ممّن تعثّرت بهم السبل ولم يجدوا سبيلاً للخروج، نحن الناجين، نخبركم بأنّنا نموت بطرق أخرى.
نحن الذين وصلنا إلى برّ الأمان بسلام. وبما أنّني من هؤلاء المحظوظين مقارنة بأهل وأصدقاء وأحباب قضوا في معركتنا الوحشية. أود أن أخبركم بأنّني بالفعل نجوت من الموت، لكنّني سقطت في دوّامة من الغربة وحياة أبحث فيها عن نفسي. وكأي شاب يتخرّج طبيباً، كانت سعادة أهلي لا توصف.
شهادتي، كانت بمثابة الوثيقة التي تضمن مستقبلي في نظرهما. ذلك الأمل الذي ارتسم على محياهما، لم يدم طويلاً، وتبعثر في فضاء ديكتاتورية النظام وتلاشى متكسراً على جثث أبناء شعبي، الذين حُرمت من علاجهم وقتلوا من أجل كلمة حق. جريمتي أنّني شخص مستقلّ بآرائه ومؤمن بحرية التعبير. لم أتملّق للنظام ولم أجامل أو أمجّد الرئيس أو من حوله، كما اعتاد أجدادي وأهلي من قبلي، كي يستمرّوا في العيش بسلام على أرضهم.
انفلتت آرائي المتمرّدة، تنتقد النظام ومن يدعمه ويؤيده. شعرت بأنّ من حقي ومن حق أهلي وأبناء شعبي السوري، التخلّص من هذا الكبت الذي أطبق على أنفاسنا من عشرات السنين.
أنا طبيب، ولأنني من معارضي النظام في سورية، مُنعت من مزاولة مهنة الطب ومن السفر خارج البلاد لمدّة خمسة أعوام. ومع انطلاق الثورة السورية، لجأت على غرار ملايين السوريين إلى البلد الجار تركيا أملاً في حياة أفضل.
وتركيا كغيرها من بقية دول العالم، لا تخلو من التحزبات والتكتلات والانتماءات. لذلك وجدت صعوبة في الحفاظ على استقلاليتي أو انتمائي للحقيقة غير المرغوب بها من قبل شريحة واسعة من الناس. فالحقيقة كما نعلم جميعنا، منبوذة لا مكان لها إلا على هامش المحسنات البديعية في الخطابات والشعارات الاستهلاكية الفضفاضة.
وبعد أن يئست من العمل في مجال الطب في تركيا، لجأت إلى بحر الإنترنت بحثاً عن فرصة للكتابة فلم أجد. فاقتنصت الفرص النادرة للعمل في الترجمة، وكان ذلك على فترات زمنية متباعدة.
لم أستسلم، ورفضت أن أتوقّف عن الكتابة من مبدأ الممارسة وحتى لا أنسى الأسلوب اللغوي.
وكما نعلم، فاللغة التي نهملها تهملنا والنسيان يقابل بالنسيان. فرحت أنشر المقال تلو المقال في مواقع صحافية وإخبارية ترحب بالناشرين بالمجان، حتى أصبح حالي كحال جساس بن مرة الشيباني البكري، شاعر من أمراء العرب في الجاهلية، حين أنشد:
وإذا تكونُ كريهةٌ أُدعى لها
وإذا يُحاسُ الحَيسُ يدعى جندبُ
وجندبُ هو شقيق جساس، إذ كان جساس يدعى للمعارك والقتال، ويدعى جندبُ للولائم وتصدّر المجالس.
على التوازي، نشرت الكثير من القصائد، تعزية للذات ورثاء للحال وبحثاً عن كلمة إعجاب، تُدخل النشوة إلى النفس. وفي ظل غياب المادحين، كنت كمن يتسوّل الكلمة الحسنة في زقاق يعجّ بالأشرار، حتى أنّك تُعاقبُ على النوايا قبل الأفعال.
نحن المتمّردين على الظلم، لفظنا النظام ومن يلف لفيفه من أبناء شعبنا، واتُّهمنا بين ليلة وضحاها بالخيانة. حوّلونا إلى أعداء للوطن على الرّغم من كل التضحيات والجهود التي قدّمناها وقدّمها أجدادنا وأهلنا من قبل. نحن الناجين الذين يحسدهم كثيرون ممّن تعثّرت بهم السبل ولم يجدوا سبيلاً للخروج، نحن الناجين، نخبركم بأنّنا نموت بطرق أخرى.