"شيطانة البيت" في الجزائر

30 ديسمبر 2016
تزخر الثقافة الشعبية بأمثال تشيد بالأبناء (باتريك باز/فرانس برس)
+ الخط -

ما عدا حالات قليلة، لا تُعامَل المرأة العاقر في الجزائر كإنسان ذي مشاعر. ويسهل التخلّي عنها، وإن بعد سنوات من الزواج.

في الجزائر، تزخر الثقافة الشعبية بعشرات الأمثال والحكم والمحكيات التي تشيد بالأبناء والنساء الولادات والرجل المسنود ببنات وبنين. في المقابل، تُقدَّم المرأة العاقر في صورة "المنحوسة" التي لا خير فيها، ويقدَّم زوجها في صورة اليتيم الذي سوف يقضي وحيداً. وكلّ ذلك ليس سوى امتداد للنظرة التي توجَّه إلى المرأة التي لا تنجب أطفالاً. يُذكر أنّ القلق من عدم الإنجاب يبدأ بعد السنة الأولى من الزواج، خصوصاً من أمّ الزوج وأخواته وقريباته الأخريات.

سميحة امرأة مطلّقة، إذ لم تنجح في الإنجاب. تقول إنّ "القلق يكون بداية من خلال التلميح إلى إمكانية تزويجه ثانية. بعدها، يكون تصريح بالرغبة في ذلك، وهو ما يخلّف حرباً نفسية بين العروس وأسرتها". وتتحدّث سميحة عمّا تعانيه المرأة العاقر أو تلك التي يتأخّر حملها، من سلوكيات عدائية وكلام جارح. توضح أنّ "الحرب عليها تبدأ من خلال تجريدها من اسمها، واستبداله بلقب، خاص بوضعها، من قبيل الكرش الناشفة والحِجْر الخاوي. ويصل الأمر إلى حدّ عدم اصطحابها إلى الخارج في المشاريع التي تشرف عليها والدة زوجها، والتقليل من الاعتماد عليها في الأشغال المنزلية، بالإضافة إلى افتعال مشاحنات وإهانة زائراتها من قريباتها. كلّ هذه خطوات تمهّد للطلاق".

وتلفت سميحة إلى أنّ الطلاق يتأخّر أو يتقدّم وفقاً لمعطيَين اثنين، "الأوّل يتعلّق بشخصية المرأة، لجهة قدرتها على التحمّل أو عدمه، والثاني بمدى تشبّث زوجها بها وخضوعه لإملاءات محيطه الأسري". تضيف: "إذا حدث أن كانت أذن الزوج ملكاً لفم أمّه، فإنّ سلوكيات الحب سوف تتحوّل مع مرور الزمن إلى كراهية. وهو ما يمهّد لإنهاء الارتباط".

تجدر الإشارة إلى أنّ الملتقى الوطني الثاني عشر لأمراض الكلى والمسالك البولية، كشف عن أنّ 15 في المائة من الأزواج الجزائريين يعانون من العقم.




حسين (39 عاماً) طلّق زوجته التي أحبّها، إذ لم تستطع الإنجاب. يقول: "ناضلت خمس سنوات لإقناع أسرتي أن توافق على زواجي من فاطمة، لكنّني لم أستطع أن أناضل بالحرارة نفسها للإبقاء عليها بعد مرور تسع سنوات من دون إنجاب. أسرتي رفضت ذلك رفضاً قاطعاً". يضيف: "أنا بكر أسرتي التي راحت تطالبني بحقّها في أحفاد مني. ولمّا لمست تمسّكي بزوجتي، لجأ من في البيت بمعظمهم، إلى اللعب على وتر المشاكل. تصوّر أن تصحو يومياً على معركة ما بين أمك أو أختك من جهة وزوجتك من جهة أخرى. كيف تكون حياتك؟ وقد وصل بهم الأمر إلى أن خيّروني بينهم وبينها. اعتذرت منها وطلّقتها".

من جهته، رفض صلاح الدين الخضوع للإكراهات المختلفة، وتمسّك بزواجه. يقول: "لمّا استنفدنا كلّ السبل المؤدّية إلى الحمل وتأكدنا من استحالة ذلك، ذهبنا في رحلة إلى مدينة وهران. وفي طريق العودة، صارحتها: إمّا أن نتقبّل وضعنا ونعيش معاً إلى النهاية، وإمّا أن نموت معاً، الآن، فنترك السيارة تهوي بنا. ونحن منذ تلك اللحظة، نعيش حياة خالية من الهموم والأوجاع. لقد آمنّا أنّ الإنجاب قضاء وقدر".

في سياق متّصل، تظنّ نساء كثيرات عاجزات عن الإنجاب أنّهنّ قد يحمين زيجاتهنّ من خلال اللجوء إلى تزويج رجالهنّ بغيرهنّ. هذا ما حدث مع أمّ الخير التي تقول: "لا أنكر أنّني امرأة تغار جداً. لكنّني في لحظة من القسوة على نفسي، آمنت بحقّه في الأبوّة. فخطبت له إحدى الجارات. هي اليوم تنجب، فيما أقوم أنا بتربيتهم ومرافقة خطواتهم. هم ينادونني أمّي، بينما ينادون والدتهم باسمها".

وتسأل أمّ الخير: "لماذا لا يتعرّض الرجل العاقر إلى الضغوط نفسها؟ أعرف أكثر من امرأة تعيش مع زوجها العاجز عن الإنجاب، وأسرته تدلّلها لأنها لا تريد لابنها أن يبقى بلا زوجة تخدمه. وقد يصل الأمر بها إلى التنازل لها عن أحد مواليدها الجدد لتتبنّاه، فتجد بذلك دافعاً أقوى للبقاء". وتشير إلى أنّ "المطلقات بسبب العقم، غالباً ما يتزوّجن في وقت لاحق من رجال فقدوا زوجاتهم، فيتولّين (هنّ) تربية أولادهم اليتامى".

أمام الضغوط المختلفة، قد تلجأ الزوجة العاقر إلى كلّ الأساليب الممكنة المؤدية إلى الحمل، بما في ذلك اللجوء إلى المشعوذين. فتشرح سميحة، إنّ "المرأة العاقر تكون على استعداد لتتخلى عن مجوهراتها وكلّ ما تملك، بحثاً عن الإنجاب. وزوجها وأسرتها يقفون إلى جانبها هنا". تضيف: "عندما يؤكد الطبّ لها استحالة إنجابها، تلجأ وكلّها أمل إلى الطب الشعبي والسحرة والمشعوذين وتزور الأضرحة والزوايا الصوفية". وتقول: "لا عبارة أَحبّ إلى قلب المرأة العاقر من "ربّي يعمّر حجرك".

المساهمون