"شيخ جاكسون"... فيلم على الطريقة الإصلاحية

08 نوفمبر 2017
من الفيلم (فيسبوك)
+ الخط -
يعتبر عمرو سلامة واحدا من أهم الأسماء الإخراجية التي ظهرت في السينما المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو اعتبار لا يتعلق بالمستوى الفني للخمسة أفلام التي أخرجها حتى الآن، بقدر ما يرتبط بما أثارته من جدل ونقاش، منذ "زي النهاردة" (٢٠٠٨) وحتى "شيخ جاكسون" الذي يعرض حالياً في دور السينما ويمثل مصر للتنافس على الترشح لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي. 
فيلم سلامة الجديد يحكي عن إمام مسجد سلفي، يمر بأزمة في حياته بعد وفاة المغني الشهير مايكل جاكسون، فهو يعجز فجأة عن البكاء ولا تفرز عيناه الدموع التي تؤثر في المصلين الذين يؤمهم، وكذلك يمر بأحلام يقظة ونوم ترتبط كلها بجاكسون وموسيقاه، لدرجة ظهوره وتخيله بين الصفوف في إحدى الصلوات، مما يؤثر على اتزان الشيخ النفسي وشعوره بصلابة إيمانه، ليبدأ في استعادة ذكريات مراهقته التي عشق فيها مغني البوب الأشهر، وقلد رقصاته لدرجة تسميته بجاكسون، وأسباب هذا التحول العنيف لأن يصبح "سلفياً" و"متشدداً".

قبل أي شيء، هناك مشكلة كبرى في "روح" الفيلم تتعلق بعدم قدرة صُنّاعه على استخدام أغاني مايكل جاكسون بسبب حقوق الملكية الفكرية، والارتفاع الشديد في كلفة استخدام الأعمال الأصليّة داخل الفيلم، مما اضطرهم لتأليف مقطوعات تحاكي الأصل، ليكون من الغريب جداً مشاهدة فيلم يكون محوره الرئيس هو جاكسون دون وجود أغاني جاكسون! هل من المحتمل صنع عمل عن فيروز دون أغاني "فيروز"؟
بديهي أن يُؤثّر ذلك في تلقي الفيلم ومصداقيته ويترك فراغاً هائلاً لو كان ذلك جزءاً أساسياً من الحكاية. لكن، مع ذلك فأزمة الفيلم، الكبرى تتجاوز ذلك، وحتى مع التغاضي عن أمر الموسيقى وإيهام أنفسنا بأننا نسمع جاكسون، فالعمل سيظل يعاني من مشكلة دائمة في أفلام عمرو سلامة السابقة كلها، وهو تعامله مع نفسه ليس كمخرج أو كاتب فقط، ولكن كشخص إصلاحي لديه رسالة مجتمعية يريد الوصول إليها من خلال السينما، وبالتالي لا يكون محرك الأحداث في أغلب الأحيان هو منطقية الدراما أو طبيعة الشخصية، ولكنه فقط رغبة عمرو سلامة المحمومة في أن يوصل رسالته، وهو ما يتكرر هنا مرة أخرى في "الشيخ جاكسون" الذي يتحرك من بدايته لنهايته برسالة واضحة ومباشرة تهدف لنبذ التشدد والميل لمساحة أكثر وسطية في التعامل مع الأمور؛ حيث لا تناقض بين أغاني مايكل جاكسون، والقيم المتحررة من ناحية، وبين المعتقدات الدينية مهما بلغ حجم تشددها من الناحية الأخرى.

وبالتالي، يمكن أن نصل لتصالح كالذي يعقده الشيخ السلفي في نهاية الفيلم وهو يرقص على الأغاني الصاخبة مرتدياً الجلباب الأبيض القصير! لتأتي تلك الرسالة الجافة والمباشرة جداً التي يتبناها المخرج عبر خلل درامي مستمر في كل تفاصيل الحبكة، و"ليّ" عنق الأحداث وتصرفات الشخصيات كي تتسق مع ما يريد ساردها الوصول إليه.

أزمة الفيلم الأخرى هي التحولات المتطرفة لشخصية "خالد"، لأن سلامة يختصر مصائر شخصياته في حوادث وتفاصيل نمطية للغاية، أو معلومات نراها فجأة وتفتقر لأي تناول أو اشتباك جدي أو عميق مع نفسية ومشاعر البطل، مثل قراره المحوري الذي يشكل جوهر الفيلم في أن يتحول للتشدد بعد وفاة أمه بمرض الربو، أو العمل على التناقض العنيف والكاريكاتيري الساذج بين الأب المنفلت الذي يمارس الجنس مع سيدة متزوجة ويترك ابنه المراهق أسفل المنزل، وبين الخال المتشدد ذي الأفكار المتطرفة الذي يأخذ هذا المراهق ليعيش معه ويتشرب معتقداته، وهكذا يُبنى الفيلم بكل التصورات الموجودة سلفاً عن المتشددين دينيا وعن أسباب تحولاتهم وطريقة عيش حياتهم، وهو الأمر الذي كان مقيداً أيضاً لأحمد الفيشاوي في النسخة السلفية من بطل الفيلم، فرغم محاولاته للاجتهاد في الكثير من المشاهد، وتحديداً اللقطات القريبة التي يعتمد فيها فقط على وجهه لإظهار معاناة البطل وشعوره بالأزمة الدينية والأخلاقية، إلا أن قفزات الفيلم والشخصية، ونطقها بلسان المخرج في الكثير من الأحيان، وكذلك الفراغ الدرامي للشخصيات المساندة في تلك المرحلة، وتحديداً الزوجة التي قامت بدورها أمينة خليل، أثر جداً في مجمل أدائه.
دلالات
المساهمون