"شوارب" المختار

15 فبراير 2016
يتواجد مختار المحلّة في كل مكان (حسين بيضون)
+ الخط -

دبلوماسي جداً مع الغريب، أكثر ممّا تفرضه أصول الدبلوماسية، وفي النقاش يكاد لا يكون له رأي واضح في أيّ مسألة. تسأله في السياسة فتأتي الإجابة غامضة ومبهمة ومفتوحة، من دون لون أو طعم أو رائحة. يشتمُ السياسيين جميعاً ويُدينهم في وقت واحد، ثم يتابع بأنه "لا غنى لنا عنهم". إن سألته في كرة القدم سيخرج بإجابة مشابهة. يحب كل الفرق ولا يميل قلبه إلى فريقٍ دون غيره. حتى في الفن لا يفاضل بين فنان وآخر. عليك، كيفما دار الحديث، أن تكوّن صورة إيجابية عنه.

يتواجد مختار المحلّة في كل مكان. بالمبدأ هو صلة وصل في تسيير معاملات أبناء بلدته أو محلّته الانتخابية. نقصده خلال طلب إفادة سكن، أو إفادة ولادة لمولود جديد، أو طلب إخراج قيد جديد، أو للتصديق على صورة لإحدى الدوائر الرسمية، وكل ما شابه ذلك من معاملات.

لكن المختار بالعادة لا يكتفي بهذه المهمات التي يقوم بها مقابل بدلٍ مادي (قلّة تقوم بها مجاناً) ولو ظلّ رمزياً. فالمختار، وهو منتخب من أبناء محلّته، يبحث في العادة عن دور أكبر من ذلك، لا سيما إذا كان من الجيل القديم. يتدخل في الصلح بين المتخاصمين إذا كان صاحب شخصيّة قويّة، ويلعب دور "المفتاح" لدى السياسيين خلال الانتخابات خصوصاً أنه يكاد يحفظ معظم سكان المحلّة المسجلين على قوائم النفوس لديه. وقد يعيش الحالة أكثر. فهناك مثلاً مختار بيروتي سابق حمّل "المخترة" أكثر بكثير من حجمها، فكان لا يتنقّل إلا بسيارتين رباعيتيّ الدفع، بزجاج أسود قاتم، مع مجموعة من المرافقين المسلحين لا تقلّ عن أربعة. بالمقابل هناك المختار الذي عند سماعه شرارة إشكال قريب يقفل مكتبه الذي يكون بالعادة دكاناً في الشارع، ويهرب كبقيّة خلق الله إلى منزله حفاظاً على رأسه.

ومع أن جيلاً جديداً من المخاتير الشباب نسبياً قد دخل إلى لعبة هذه الوجاهة المحلّية، غير أنه لم يتمكن من خلق تغيير نوعي لصورة المختار التقليدية. حتى حضور المرأة لم يترك لمسة أنثوية جديدة على هذا "المركز". فزوج المختارة في إحدى المناطق هو الذي تولّى شؤون ومعاملات المنطقة مستثمراً صفة زوجته وصورتها، ومن دون أن تتولى المختارة فعلياً المسؤوليات الملقاة عليها.

ولن ننسى أنه في هذه البلاد فإن موقع المختار، ككل موقع آخر، كبُرَ أم صغُر، تصيبه الوراثة العائلية ولو ظلّ صاحبه منتخباً. فعادة يصبح ابن المختار مختاراً "لأن والده كان آدمياً وخدوماً". يحصل ذلك حتى لو كان الشاب يحمل شهادة جامعية عالية. فالكرسي و"شوارب" المختار يجب أن يظلّا ضمن العائلة.

اقرأ أيضاً: الرجل الذي سرقه جاره
المساهمون