"ساميات" السبعة وأربعين... دبكة ومجوز وموسيقى إلكترونية وما إلى ذلك

13 سبتمبر 2020
تستضيف الفرقة عدة فنانين آخرين في أغاني ألبومها (فيسبوك)
+ الخط -

في موسيقى اليوم، سُبل النجاح الجماهيري، بالنسبة لمن شاء له القدر أن يحمل ثقافة "الآخر" غيرَ الغربي الأبيض والأوروبي، بات بالإمكان تحديدها. على الفنان، أولاً، أن يُمثِّل "الآخر" بإعادة ابتكار الأصالة، وألا يحاول تجاوز محدِّدات الهويات الجمعية، أو أن يخلق له هويات فردية خاصة جديدة. 

ثانياً، يجوز له أن يخلط الأشياء، ولكن كتلك النصوص التي تُطبع على معلّبات الأغذية، عليه أن يذكر المكونات، تحت مسميّات تصنيفية مهرجانية عريضة كـ "موسيقى العالم" أو "العبور"، أو التلاقح Cross-Over، إنما من دون اختراق تحت طائلة الاتهام بالاستيلاء الثقافي. 

وثالثاً، أن يُضيف على منتجه الفني سردية سياسية، تتناسب وصورة "الآخر" التنميطية ككائن سياسي بالتكوين والضرورة، حيث إن كلاً من حضوره واستحضاره سيرورةُ صراع مستمر، يستدعي "الشعور بالقلق"، ويستجري العطف ويستوجب التحية، برقصة تضامُنية. ذلك من حيث الوجهة، أما الخطوات إليها فقد باتت هي الأخرى أقصر وأيسر:

إنتاجياً، نظراً إلى التطور التكنولوجي الهائل في مجال الصناعة الموسيقية، تحديداً تلك الإلكترونية، الذي أفضى بالنتيجة إلى سهولة الحيازة وانخفاض التكلفة النسبي. 

تسويقياً، من خلال فُرص الإبحار في محيط الإنترنت الشاسع انطلاقاً من منصّاته الرقمية العديدة التي باتت تُتيح التشبيك المباشر مع الجمهور، بالأخص إن تمتع الموسيقيون بأسطول كبيرٍ من مراكب العلاقات العامة.

 

سُبل النجاح الجماهيري، بالنسبة لمن شاء له القدر أن يحمل ثقافة "الآخر" غيرَ الغربي الأبيض والأوروبي، بات بالإمكان تحديدها

 

في هكذا مشهد، تبرز فرقة "السبعة وأربعين" 47 Soul كإحدى قصص النجاح التي تُرجمت من جديد بإصدار ألبوم بعنوانٍ ذي توتر سياسي مرتفع؛ "ساميّات" Semitics، في مسعى ربما إلى إيصال رسالة مفادها أولاً أن كلنا ساميون، عرباً وإسرائيليين. 

ثانياً، أن السامية إطارٌ تاريخيٌّ لسانيٌّ جامع لكل من الثقافتين العربية والعبرانية، وأن أيّ موقف مناهض إزاء العداء لها، في الغرب وفي العالم، لا ينبغي أن ينتصر لليهود وحدهم، وإنما للعرب الفلسطينيين أيضاً. 

تأسست الفرقة، بدايةً، في العاصمة الأردنية عمّان منذ قرابة الثمانية أعوام. يُجسّد أعضاؤها الثلاثة (طارق أبو كويك ورمزي سليمان وولاء سبيت) في مشاربهم الشتات الفلسطيني؛ فمنهم المقيم داخل الأرض المحتلة، ومنهم من يقيم في الولايات المتحدة الأميركية، والعاصمة البريطانية لندن، حيث جرى إنتاج الألبوم الأخير.

 

وفي لندن أيضاً، أُتيحت استضافة موسيقيين من أولئك الذين باتوا ينضوون اليوم، وإن بشكل غير مُعلن بالضرورة، ضمن خط يسار عالمي تقدّمي جديد صاعد، له جمهوره ومثقفوه، كما وله فنونه وموسيقاه التي عادة ما يتصدّرها الراب ومرافقاته من الأصوات المبرمجة إلكترونياً؛ إن كان بأسمائه العربية في المهجر، كالبريطاني من أصل عراقي Lowky ومواطنته من أصل فلسطيني شادية منصور، أو الأسماء الفلسطينية داخل الطوق العربي كالفرقة الأردنية Synaptic، إلى جانب المُغني المقيم في فلسطين المحتلة، تامر نفار.

الأسلوب الموسيقي العام؛ هو الرائج من خلط الشعبي الراقص كالدبكة والمجوز بالعصري الرقمي والإلكتروني، وإن كان يُشار إلى الفرقة عموماً على أنها من رواد تلك الخلطة، حيث سبق لهم وأن سمّوها "شامستبس" Shamsteps.

خلطةٌ تكاد أن تُفرّخ كل يوم نجماً جديداً يعزف الأورغ أو الغيتار والبزق، أو يُدير أقراص الديجي، يرتدي الدشداشة ويضع النظارة الشمسية ويعتمر الغترة كعمر سليمان، أو يلبس على طراز البوهيميين الجدد (الهيبسترز)، في نيويورك ولندن، وفي برلين.

"شاهد" witness، أولى أغنيات الألبوم على شكل لوحة افتتاحية شعبية بلون أورغ الأعراس وقد اضطلع بدور المجوز. أما موضوعها فتائه بين عديد الهزائم العربية وإن اقترب جهة مآلات الربيع الراهنة. ما يلبث أن يدخل على الخط نظم هيب هوب باللغة الإنكليزية يأخذ المتن بعيداً عن الموضوع ليعيده إلى العربية بصورة ارتجالية لا تخلو من إشارات رمزية.

بضيافة شادية منصور ومغنية الهيب هوب الألمانية - التشيلية فادزيلا MC Fedzilla، تتحدث أغنية "بنت الحدود" Border Girl عن معاناة الاصطفاف على نقاط التفتيش الحدودية. المشاركة الأجنبية تصل الصورة الفلسطينية بمقابلاتها الراهنة حول العالم في إطار الإضاءة على قضايا اللجوء والهجرة.

ينجح حضور Lowkey في مقدمة أغنية "تمسك بأرضك" Hold your ground بالخروج ولو لبرهة عن الشعبي إلى شبيه الريغي الكاريبي، ليس إلا ليعود هرعاً إلى الدبك على إيقاعات كوردية، بينما يتطرق نظم الراب بالإنكليزية إلى هرج ومرج السياسة الداخلية الحالية في الولايات المتحدة الأميركية.

أغنية "ثوب" Thobe تتّخذ لها طابعاً نسوياً جهة خطاب تمكين المرأة. لها مقدمة لولبية loop تعد من تنميطات الهيب الهوب الحديث، لولا تشويهها إلكترونياً لتبُثّ بُعَيْداً شرقياً بصورة جذابة ذكية.  

"نظام الدبكة" Dabke System عودة على عجالة إلى أجواء الفرح الشعبي وإن بتضمينات سياسية تتناول موضوعة اللاجئين في كلّ من الشق العربي والإنكليزي من الكلام المنظوم. تأليفياً، إسهابٌ في إقحام المؤثرات الإلكترونية.

"شعب سام" Sam’s People أجمل أغاني الألبوم وأكثرها تفرداً وخروجاً عن العرائسي الذي يبدو رتيباً مكرّراً على مرّ الإصدار، حيث كل من النبض الإيقاعي والنسج الإلكتروني لافت ومختلف. في المعنى، تتوجه الأغنية بدعوة إلى المصالحة بين أبناء سام من عرب ويهود.

"اركض" Run بحلول Synaptik وتامر نفار ضيوفاً، ذات لون إيقاعي وغنائي يقترب من الشعبي المصري. أما الكلام فيتراوح بين المغنّى والمقفّى، وبين السياسي والمعيشي. 

"ليلي ديسكو" Lili Disco كما لو أنها تخلط الشعبي الشامي بالريغي الكاريبي. والكلمات أقرب إلى الارتجالات الحبلى بالإيحاءات السياسية السابحة بين الهلوسات الساخرة والفكاهية.

أما "كوكتيل" Kocktail خاتمة الألبوم فتستضيف أحد نجوم برنامج المواهب الترفيهي Arab Got Talent الأردني حسن ميناوي الذي أدهش المشاهدين يوماً بعزفه اللون الشعبي على قشة لمصّ العصير. تدوي صفارات الإنذار مع قرع طبلة الدبكة فيما تُستعرض أسماء مدن شامية عدة بين سورية وأردنية وفلسطينية. 

يبدو أن باستطاعة فرقة "السبعة وأربعين" اجتياز جميع اختبارات النجاح في دخول سوق الموسيقى العالمية. هي تُعيد إنتاج الأصالة عن طريق برمجتها داخل اللاب توب. ثم تُحسن خلط الأشياء مع ذكر أمين للمكونات المستوردة والمحلية من راب وريغي إلى دبكة وشعبي وعرائسي. وأخيراً، تتبنى خطاباً سياسياً راقصاً وهادفاً يستهوي رواد أندية الديسكو التقدميين في العواصم الكوزموبوليتية الليبرالية؛ فعلى إيقاعه لن يحسّ أيّ منهم بالذنب، طالما ظل كل من الفقر والقهر والموت يسهرون في مكان آخر.

دلالات
المساهمون