"زوروا بيروت": تحوّلاتها في بطاقات بريدية

ليس المؤرّخون وحدهم من يقدرون على كتابة التاريخ واستعادة اللحظة بتفاصيلها بهدف توثيقها، هناك أيضاً التاريخ الذي يجري توثيقه من دون قصد، من خلال مقتنيات تبدو هامشية، لكنها تتحوّل بعد مرور عقود عليها إلى براهين وشهودٍ على شكل المكان وتطوّره وحكايته ومن مرّ فيه.

من هذه الأشياء التي بدأ الفنانون والمسرحيون والمتحفيون والقيّمون على المعارض، يعودون إليها لاستخدامها؛ الطوابع، وملصقات السينما، وتذاكر المسرح وعروض الموسيقى والأفلام، وكذلك البطاقات السياحية التي ظهرت في بلاد الشام مع نهايات القرن التاسع عشر.

ومن هذه، يعرض متحف "سرسق" في بيروت مجموعة من البطاقات البريدية التي تصوّر العاصمة اللبنانية مطلع القرن العشرين، والتي ظهرت وبدأت في الانتشار مع بدء النقل البحري من خلال سبعة خطوط اتصلت بميناء المدينة وأصبحت تعمل بشكل منتظم سنة 1865.

في معرض "سرسق" الذي حمل عنوان "زوروا بيروت" ويتواصل حتى 12 حزيران/ يونيو المقبل، يظهر تحوّل ميناء المدينة إلى موقع يستعدّ لاستقبال المسافرين والسائحين أكثر من ذي قبل، إذ ترصد هذه البطاقات البريدية ظهور الـ "لوكاندا"، تلك الفنادق المتواضعة التي ملأت الواجهة البحرية وأحياء المدينة، كما لو أنها دعوة مفتوحة ينقلها المسافرون إلى سائحين متوقّعين في مكان آخر من العالم. ويمكن من خلال الصور المقارنة بين ناطحات السحاب التي تغوّلت وحجبت الأفق اليوم والفنادق التي لا يدخلها إلا الأغنياء، وبين ذلك الميناء الجميل بأبنيته الصغيرة والفنادق أو اللوكاندات الصغيرة والعمارة القديمة بشبابيكها المطلّة على الشمس.

المجموعة المعروضة تعود إلى أحد أبرز المقتنين العرب، اللبناني فؤاد دبّاس (1930-2001)، الذي يبلغ أرشيفه من الصور أكثر من ثلاثين ألف صورة التقطت ما بين 1830 و1965. ومن بين الصور المعروضة، مجموعة نادرة لغزّة والقدس وحلب ودمشق يعود تاريخها إلى العام 1900.

يذكر أن متحف "سرسق" سيعرض هذه المقتنيات النادرة في معارض مختلفة مستقبلاً. كما أنه قدّم سابقاً مجموعة الصور التي توثّق لحياة الغناء والطرب والرقص في البلاد العربية، خصوصاً مصر، في معرض حمَل عنوان "السماع من خلال العدسة". كما نظّم معرض "عبر الغيوم: مختارات من مشاهدات جوية"، والذي يضمّ صوراً فوتوغرافية نادرة لسورية ولبنان والأردن التقطت من الجو في مطلع القرن العشرين.