"دبلوماسية الولائم"… سلاح الحكومة الأردنية لمحاولة تطويق الأزمات مع النواب

10 ديسمبر 2017
انقسام بين النواب بشأن التجاوب مع دبلوماسية الولائم(صلاح ملكاوي/Getty)
+ الخط -
أطفأت "دبلوماسية الولائم" التي لجأت إليها الحكومة الأردنية، إلى حد ما، الأزمة مع مجلس النواب الذي ثار في الأيام الماضية على سياساتها الاقتصادية التي تضمنتها الموازنة العامة للدولة والقاضية برفع الدعم عن الخبز، وفرض مزيد من الضرائب على السلع، وتزامنها مع رفع أسعار المحروقات والكهرباء بنسب تفوق الأسعار العالمية للنفط.

وبعد أن قرر مجلس النواب، مساء الأحد الماضي، تعليق مناقشة الموازنة في لجنة المالية، إثر توقيع أكثر من 100 نائب، من أصل 130 عدد أعضاء المجلس، على مذكرة ترهن مناقشتها بعودة الحكومة عن رفع أسعار المحروقات والكهرباء، والتراجع عن رفع الدعم عن الخبز، وجدت الحكومة نفسها في موقف حرج، خصوصاً بعد أن قوبل موقف النواب بتأييد شعبي، حتى وإن بدا متحفظاً.

يقول النائب نبيل غيشان، الذي تبنى المذكرة، "نحن حريصون على أن لا تتسبب السياسيات الحكومية بانفجار الشارع (..) نعارض تلك السياسات من منطلق الحرص على قوت المواطنين والحفاظ على حالة الأمن".

ومع تنامي الغضب النيابي، وانتقاله للتلويح بتحويل المذكرة إلى مذكرة حجب ثقة عن حكومة هاني الملقي، نشطت الوساطات بين رئاسة النواب والحكومة بهدف التوصل إلى حل للأزمة يحفظ كرامة النواب، من دون أن يؤثر على جوهر السياسات الاقتصادية للحكومة.

أثمرت الوساطات عن وليمة غداء أقامها في منزله، ظهر الاثنين الماضي، وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء ممدوح العبادي، وجمعت الحكومة مع المكتب الدائم لمجلس النواب، ورؤساء الكتل النيابية واللجان الدائمة، للتوصل إلى صيغة توافقية تعيد المياه إلى مجاريها، وهي الوليمة التي قيل إنها مرتبة قبل الأزمة.

قوبلت الوليمة، التي سرب خبرها نواب رافضون "لدبلوماسية الولائم" بموجة استياء من قبل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، اتهموا خلالها النواب بالتآمر على الشعب، واعتبروا أن غضبهم على السياسات الحكومية "تمثيلية لكسب الشعبية"، من دون أن يتمكنوا من إلغاء الوليمة التي انتهت بالتوصل لاتفاق، انعكس على أعداد الموقعين على المذكرة لنيابية تناقصاً.

يقول أحد النواب المعارضين للوليمة "لا نعارض الحوار مع الحكومة، لكننا نرفض أن يتم الحوار بعيداً عن مكانه الطبيعي، حوار من هذا النوع مكانه مجلس النواب وليس بيوت الفريق الوزاري".

غير أن الوليمة، وما أنتجته من تفاهمات جرى الإعلان عنها من دار مجلس النواب، مكّنت النواب من "النزول من أعلى الشجرة"، التي صعدوها في لحظة غضب، كما يبين نائب سارع لسحب توقيعه عن المذكرة النيابية بعد الإعلان عن التفاهمات.

ولا تحقق التفاهمات أياً من مطالب المذكرة النيابية، لكنها تنقل الكرة من الحكومة إلى ملعب النواب عبر منحهم حق وضع أسس توزيع الدعم النقدي المباشر للسلع والشرائح المستفيدة، والتي خصص لها في الموازنة تحت بند شبكة الأمان الاجتماعي 171 مليون دينار (242 مليون دولار)، إضافة لصرف مبلغ دينارين شهرياً لكل عائلة تحصل على معونة وطنية بدل مادة الكاز خلال فصل الشتاء، وإعفاء شريحة مستهلكي الكهرباء التي تقل عن 160 كيلو واط بالشهر من الرفع.  

مهدت التفاهمات الطريق أمام عودة اللجنة المالية لمناقشة الموازنة، على الرغم من تعنت بعض أعضائها وإفشالهم انعقاد اجتماعات اللجنة. وفي المحصلة، أحدثت التفاهمات شرخاً في موقف النواب الذي بدا منسجماً قبل الوليمة، ووضعهم في مواجهة الشارع، وهاجم النائب خالد الفناطسة، الذي قاد الاحتجاج، التفاهمات وزملاءه الذين سحبوا تواقيعهم عن المذكرة النيابية، وسارع نواب للتبرؤ من تلك التفاهمات، كما طالبت أحزاب ونقابات مهنية وعمالية مجلس النواب برد مشروع قانون الموازنة.

وبعد أن أثمرت التفاهمات في تشتيت الموقف الموحد للغالبية النيابية، قررت أقلية نيابية التمسك بمطالب الموقعين على المذكرة على الرغم من انخفاض أعدادهم إلى أكثر من النصف، ليخوض النواب المتمسكون بالمذكرة صراعاً على محورين. الأول مع الحكومة عبر تمسكهم برفض سياساتها الاقتصادية، والثاني مع زملائهم الذين وافقوا على التفاهمات "المفخخة" التي أُعلن عن التوصل إليها في أعقاب الوليمة.

ومع انهيار جبهة المعارضين وتخلخلها، يتجه المتمسكون بمواقفهم لتبنّي مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة، وفيما يعون استحالة نجاح مهمتهم، يسعون لتبرئة ساحتهم أمام المواطنين وقواعدهم الانتخابية.

 

دلالات
المساهمون