خلال العقدين الأخيرين، استطاع المخرج، كريستوفر نولان، أن يصنع حالة من النجومية، نادراً ما تتوفر لغير الممثلين. أصبح وجود اسمه فقط على فيلم ما، هو عنصر جاذب لقاعدة كبيرة من الجمهور. ويخلق، بمفرده، حماساً اسثتنائياً. وربّما سبب ذلك، هو الطريقة التي يصنع بها نولان أفلامه، في عصر الانقلابات الدرامية و"التويستات". يعمَلُ الرجل دائماً على أفكارٍ غير عادية، بالتواءة شديدة في الحبكة قرب الختام، ويجعل المتفرج في حالة من الانبهار والدهشة.
لذلك، كان من اللافت جداً منذ بداية التحضيرات، أن يكون فيلمه الجديد هو عمل حربي عن الحرب العالمية الثانية، ليصبح Dunkirk منذ بداية 2017، واحداً من أكثر أفلام العام انتظاراً وترقباً من قبل الجميع.
لذلك، كان من اللافت جداً منذ بداية التحضيرات، أن يكون فيلمه الجديد هو عمل حربي عن الحرب العالمية الثانية، ليصبح Dunkirk منذ بداية 2017، واحداً من أكثر أفلام العام انتظاراً وترقباً من قبل الجميع.
ما يهمُّ نولان ليس أحداث الحرب العالمية، ليس أطرافها ولا الأبعاد السياسية للصراع. يفتتح العمل بثلاث جمل على شاشةٍ سوداء تشرحُ الوضع القائم؛ حيث محاصرة "العدو" (وتظل كلمة العدو هي ما يذكر عن الألمان طوال الفيلم باستثناء مرة واحدة) للقوّات البريطانيّة والفرنسيّة على شواطئ "دانكيرك". ليصبح 400 ألف جندي على شفا الموت، ومُجرّد إنقاذهم من ذلك الجحيم سيكون انتصاراً. بعد ذلك، يبدأ الفيلم بمشهدية واضحة. لقطة طويلة لعدد من الجنود يحاولون الهرب من رصاص "العدو"، قبل أن يصل واحد منهم فقط إلى الجانب البريطاني، لنرى الشاطئ وهو ممتلئ بصفوف الجنود، وتمر الطائرات الحربية الألمانية من فوق رؤوسهم، وتحصدُ البعض منهم.
في هذا المشهد الطويل (قرابة 10 دقائق) يراهن نولان على نَقل "جحيم الحرب"، ذات الرهان الذي عوّل عليه ستيفن سبيلبرغ مثلاً في مشهد "إنزال نورماندي الشهير" خلال النصف ساعة الأولى من فيلمه Saving Private Ryan قبل 19 عاماً، ولكن الفارق أن "سبيلبرغ" كان معه قصة وراء ذلك. نولان راهن فقط على الحرب ذاتها. فخلال مدة الفيلم الباقية، لا نرى حكاية بالمعنى المفهوم، حتى مع إبقاء "بصمته" السردية حاضرة، والمعتمدة بشكل أساسي على الـNon-Liniar Storytelling أو "السرد غير الخطي"، والذي ظهر في أغلب أفلامه.
وهنا، في "دانكيرك"، يتداخَلُ السرد في 3 أزمنة: الأول، هو حكاية تحدث في أسبوع، محورها الرئيسي هو الجندي الذي نبدأ من عنده الفيلم، ونرى من خلاله معاناة القوات المحاصرة سواء على الشاطئ، أو في محاولتها الهروب من خلال السفن التي يتم ضربها جواً. والزمن الثاني، يحدث في يوم، وتدور حول مركبة أحد الصيادين تذهب من الشاطئ البريطاني نحو "دانكيرك" من أجل إنقاذ بعض الجنود. وأخيراً، زمن ثالث، في ساعة واحدة، لطيّارٍ تكاد طائرته الحربية أن ينفذ وقودها، ولكنَّه يستمرُّ في محاولة إسقاط أكبر كم من "طائرات العدو".
عن قصد، يجرد نولان فيلمه من أي مسحة شخصية. للمرة الأولى في مسيرته، لا نتابع قصة، ولا نتورط مع شخصيات وأزمات. هناك تعويل كامل على أن يضعك في قلبِ الحرب، وأن يكون ذلك هو المؤثر والقيمة الحقيقية للفيلم، وأن يكون الخط الجاذب للإثارة هو في التنقل بين الثلاثة أزمنة، وتداخلها في بعض اللحظات لرؤية مشهدين بوجهتي نظر مختلفتين.
ولكن، هل نجح ذلك؟ أو كان متماسكاً في منطقه؟ على الأغلب، أراد نولان أن يعتمد بشدة على المشهدية، أن يخلق مشاهد مؤثرة على المستوى العاطفي عن "ويلات الحرب"، كتلك اللحظة الرائعة، فعلاً، للجندي الذي يكاد يغرق تحت الماء لأن الغاز المتسرب فوق أدى لاندلاع حريق وصار عليه الاختيار بين الموت محروقاً أو غرقاً، أو اللحظة الأخرى للطيار الذي سقطت طائرته، ويحاول الخروج منها مع اندفاع الماء دون توقف، أو المشهد الافتتاحي بالطبع. ولكن، إلى جانب أن تلك المشاهد نادرة فعلاً، فإنها لا تكفي وحدها لتصنع ارتباطاً حقيقياً مع المُشاهد، أو فيلماً متماسكاً ومؤثراً يبقى في ذاكرته ووجدانه.
اقــرأ أيضاً
في هذا المشهد الطويل (قرابة 10 دقائق) يراهن نولان على نَقل "جحيم الحرب"، ذات الرهان الذي عوّل عليه ستيفن سبيلبرغ مثلاً في مشهد "إنزال نورماندي الشهير" خلال النصف ساعة الأولى من فيلمه Saving Private Ryan قبل 19 عاماً، ولكن الفارق أن "سبيلبرغ" كان معه قصة وراء ذلك. نولان راهن فقط على الحرب ذاتها. فخلال مدة الفيلم الباقية، لا نرى حكاية بالمعنى المفهوم، حتى مع إبقاء "بصمته" السردية حاضرة، والمعتمدة بشكل أساسي على الـNon-Liniar Storytelling أو "السرد غير الخطي"، والذي ظهر في أغلب أفلامه.
وهنا، في "دانكيرك"، يتداخَلُ السرد في 3 أزمنة: الأول، هو حكاية تحدث في أسبوع، محورها الرئيسي هو الجندي الذي نبدأ من عنده الفيلم، ونرى من خلاله معاناة القوات المحاصرة سواء على الشاطئ، أو في محاولتها الهروب من خلال السفن التي يتم ضربها جواً. والزمن الثاني، يحدث في يوم، وتدور حول مركبة أحد الصيادين تذهب من الشاطئ البريطاني نحو "دانكيرك" من أجل إنقاذ بعض الجنود. وأخيراً، زمن ثالث، في ساعة واحدة، لطيّارٍ تكاد طائرته الحربية أن ينفذ وقودها، ولكنَّه يستمرُّ في محاولة إسقاط أكبر كم من "طائرات العدو".
عن قصد، يجرد نولان فيلمه من أي مسحة شخصية. للمرة الأولى في مسيرته، لا نتابع قصة، ولا نتورط مع شخصيات وأزمات. هناك تعويل كامل على أن يضعك في قلبِ الحرب، وأن يكون ذلك هو المؤثر والقيمة الحقيقية للفيلم، وأن يكون الخط الجاذب للإثارة هو في التنقل بين الثلاثة أزمنة، وتداخلها في بعض اللحظات لرؤية مشهدين بوجهتي نظر مختلفتين.
ولكن، هل نجح ذلك؟ أو كان متماسكاً في منطقه؟ على الأغلب، أراد نولان أن يعتمد بشدة على المشهدية، أن يخلق مشاهد مؤثرة على المستوى العاطفي عن "ويلات الحرب"، كتلك اللحظة الرائعة، فعلاً، للجندي الذي يكاد يغرق تحت الماء لأن الغاز المتسرب فوق أدى لاندلاع حريق وصار عليه الاختيار بين الموت محروقاً أو غرقاً، أو اللحظة الأخرى للطيار الذي سقطت طائرته، ويحاول الخروج منها مع اندفاع الماء دون توقف، أو المشهد الافتتاحي بالطبع. ولكن، إلى جانب أن تلك المشاهد نادرة فعلاً، فإنها لا تكفي وحدها لتصنع ارتباطاً حقيقياً مع المُشاهد، أو فيلماً متماسكاً ومؤثراً يبقى في ذاكرته ووجدانه.