يرى كثيرون، في العراق وسورية، أن أبرز تجليات التحالف العضوي بين نظامَي الرئيس السوري، بشار الأسد، ورئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته، نوري المالكي، قد تُترجَم بتشابه الاستراتيجيات العسكرية المعتمَدة من قبل الرجلين: في الرقة بالنسبة إلى الأسد، وفي نينوى وصلاح الدين بالنسبة إلى المالكي. فقد أعادت مشاهد الانسحاب المريب للقوات العراقية من الموصل وتكريت، في الأيام الماضية، أمام المسلحين الذين يُراد اختصارهم بتنظيم "داعش"، مع التكتيك المشابه الذي طُبِّق في الرقة السورية، حين "اختفت" القوات النظامية من دون مقاومة تُذكَر، تاركةً الساحة خالية أمام التنظيم الاسلامي.
يُدرك المالكي، بلا شك، أن من شارك في السيطرة على الموصل وبقية المناطق، هو فصائل مختلفة، منها "المجلس العسكري لثوار العشائر"، وفصائل من "أنصار السنة"، و"جيش رجال الطريقة النقشبندية" المحسوب على عزت الدوري، النائب الأسبق للرئيس الراحل، صدام حسين، بالإضافة إلى تنظيم "داعش"، الذي يشكل النسبة الأقل من الفصائل الأخرى، لكن الأشرس قتالياً و"عقائدياً". وعلى الرغم من ذلك سوّقت حكومة المالكي الحدث على أن "داعش" حصراً هو من قام بالاستيلاء على المدينة، بهدف تصوير الوضع على أنه إرهاب، وبالتالي أنها هي المتحدثة باسم "جبهة محاربة الارهاب".
وما السقوط المتتالي للمدن ذات الغالبية السنية العربية، بعد سقوط الموصل، إلا دليل على أن "داعش" هي الجزء الأضعف من مجموع الفصائل، التي يجمعها قتال المالكي، والتي ثارت عليه بسبب التهميش والظلم، وخصوصاً أن أكثر التقديرات "تفاؤلاً" تشير إلى أن عدد مقاتلي "داعش" في سورية والعراق، لا يتعدى بضعة آلاف ينتشرون في مناطق شاسعة مساحتها عشرات آلاف الكيلومترات. فصائل سبق لها أن تعهدت بقتال "داعش"، في حال نفذت الحكومة العراقية مطالبها، التي تتشابه إلى حد كبير مع ما طالب به السوريون خلال ثورتهم ضد نظام الأسد.
ويبدو أن نظام المالكي لا مخرج لديه من محنته، التي عززها اختراق جيشه من قبل الضباط البعثيين، إلا التسويق لنفسه كمحارب للإرهاب، وهو خيار قد ينجح فيه لو قررت الولايات المتحدة الدخول في هذه اللعبة لمصلحته، فضلاً عن وقوف طهران إلى جانبه قلباً وروحاً، إلا أنه خيار قد يدخل العراق بمخاض دموي يشبه المخاض السوري الطويل.
ويفسر نائب رئيس الأمانة العامة لـ"حزب الجمهورية" السوري المعارِض، المحلل السياسي مضر الدبس، سقوط الموصل الدراماتيكي، ومن قبله سقوط مدينة الرقة السورية، بيد "داعش"، على أنه "خبث تكتيكي"، من قبل كل من نظامي المالكي والأسد. ويوضح الدبس أن "هناك تشابها كبيرا بين تنظيم داعش، وبين الأنظمة التي يدّعي محاربتها، يكمن في الطبيعة الإرهابية والأدوات الإجرامية ونوعية الأهداف، وربما هذا ما يبرر عنصر الجذب، إن لم نقل التعاون، سواء بالتنسيق المباشر أو غير المباشر، الذي يتجسد بتلاقي المصالح" بين الطرفين.
ويرى الدبس أن قابلية العراق وسورية لجذب التدخل الخارجي، ولجذب الجماعات المتطرفة، تعود إلى "اللاوطنية" التي تتسم بها طبيعة وتركيب النظامين الحاكمين.
ويبين الدبس أن جميع مقاربات سقوط الموصل، وقبلها سقوط الرقة، بكل حيثياتها ومآلاتها، تقود إلى نتيجة واحدة مفادها "أهمية الفكر الداعشي وأشباهه، في تمكين الفكر الاستبدادي القائم من الاستمرار في السلطة والاستمرار في التسلط"، مشيراً إلى أن هذين النظامين "لا يقيمان تحالفاً مع داعش، بل يديران معه هذا التحالف، الذي لا يُنتِج إلا النزوح الجماعي والموت الجماعي والدمار الكبير".