وأطلق سياسيون وناشطون حقوقيون نداءات استغاثة، مطالبين بتدخل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، لوقف ما وصفوه "عمليات تغيير ديمغرافية جديدة" في المدن الشمالية والغربية والوسطى من البلاد.
واتهم هؤلاء، زعماء مليشيات ومجالس محافظات، وأحزابا موالية لإيران، في مقدمتها حزب "الدعوة" بزعامة الرئيس السابق للوزراء نوري المالكي؛ بعمليات تجريف منازل وقرى وطرد مئات العوائل تحت مزاعم مختلفة، وكله ضمن مصطلح ما عرف أخيراً "حواضن داعش"، على حد تعبيرهم.
وفي 26 من يوليو/تموز الماضي، صوّت مجلس محافظة بابل على قانون يقضي بهدم منزل كل من يثبت أن أحد أفراده، انتمى، أو تعاطف، أو تعامل، مع تنظيم "داعش" أو تستر على أحد أفراده.
وبيّن محافظ بابل صادق السلطاني، في بيان صحافي، أن القرار يشمل أيضاً طرد العائلة وعدم السماح لها بالسكن في أي من مدن محافظة بابل، مبيناً أن القرار سيطبق بأثر رجعي ولا وجود لإحصائية بعدد الذين سيشملهم هذا القرار.
وعلى الرغم من مرور عامين على تحرير مدن شمال بابل ذات الغالبية (السنية)، إلا أنّ المليشيات وحكومة المحافظة المحلية ترفض عودتهم إلى منازلهم. ويقيم نحو 120 ألف مواطن في خيام نصبتها لهم الأمم المتحدة جنوب بغداد.
ولا ينحصر الموضوع في النطاق الطائفي فقط، إذ كشفت مصادر أمنية عراقية، أن الظاهرة امتدت لتشمل عشائر عربية، بينها ثأر قديم، وتحاول كل عشيرة استغلال الملف للانتقام من الأخرى في ظل غياب تام لدور الدولة والقانون.
كما كشفت مصادر أمنية وعشائرية، أنّ "الحشد العشائري أقدم هو الآخر على تهجير أكثر من 17 أسرة من منطقة البغدادي، غرب الأنبار، تحت ذريعة (حواضن داعش)، ممن لديهم أبناء أو أقارب انتموا أو ناصروا التنظيم خلال سيطرته على البلدة".
وفي هذا السياق، أكّد مواطنون أنّ غالبية التهم الموجهة بهذا الخصوص كيدية وناجمة عن خلافات عشائرية لا صلة لها بتنظيم "داعش"، إذ استولى الحشد العشائري على منازل الأسر التي تم طردها من البلدة.
من جهته، أكّد القيادي في جبهة "الحراك الشعبي"، محمد عبد الله، أن "عمليات تهجير نفذتها مليشيات بحق سكان حزام بغداد تحت غطاء (حواضن داعش)، كما تم ترحيل عشرات الأسر، وتهديد أخرى وإخطارها بالمغادرة"، لافتاً إلى أن "الأمر يتم من دون أمر قضائي أو قانوني".
وأشار عبد الله، إلى أن "الأمر لم يقف عند منطقة واحدة، بل في ديالى أيضاً يتم وبصورة بشعة، وبعلم قائد مليشيا بدر هناك مثنى التميمي، الذي يشغل منصب المحافظ ورئيس اللجنة الأمنية العليا".
وفي وقت سابق، كشفت قوى سياسية في البرلمان العراقي وجود خطط تغيير ديمغرافي تحت ذرائع مختلفة منها ذريعة "حواضن داعش"، والتي عرفت أخيراً، وانتشرت بشكل لافت في المدن والبلدات التي كان يسيطر عليها التنظيم.
بدوره، حذّر تحالف القوى العراقية في البرلمان، مما سمّاها عمليات التغيير الديمغرافي في مدينة سامراء، وما حولها من مدن وبلدات (120 كيلومترا شمال العاصمة بغداد).
وذكر التحالف، في بيان، أن "عشرات الأسر حول سامراء، تم تهديدها بالتهجير في وقت جلبت فيه أسر أخرى إلى مناطقهم".
وتطور الأمر في بعض المدن إلى منع عشائر بأكملها من العودة إلى مناطقها بحجة أنهم كانوا "حواضن داعش"، على الرغم من مقتل العديد من أبناء تلك العشائر على يد عناصر التنظيم.
وعلى الرغم من أن خبراء بالقانون، أكدوا عدم شرعية القرارات تلك، إلا أن الأمر ما زال مستمراً والتهجير على أوسع أبوابه في العراق.
وفي هذا الصدد، قال الخبير القانوني طارق حرب، في تصريح لوسائل إعلامية محلية، إن قرار هدم الدور وطرد العوائل من المدن قرار غير قانوني ومخالف للدستور، مؤكداً أن "مثل هذه القرارات غير قابل للتطبيق وهو مخالف ويحمل ظلما كبيرا، وأن التبعات القانونية تشمل فاعل الجريمة فقط دون أن تشمل عائلته".
وأشار حرب إلى أن "الدستور قد كفل سكن المواطن العراقي في جميع أنحاء البلاد، ولا يمكن لأي جهة تحديد حريته بهذا الخصوص".
ويتوقع خبراء أن تكون مرحلة ما بعد "داعش" في العراق، هي الأسوأ، إذ ستدخل البلاد في دوامة جديدة من الأعمال الانتقامية والاستهداف الطائفي، تحت ذريعة "حواضن داعش".
واعتبر الخبير الأمني عابد الزبيدي أن قضية "حواضن داعش" خطيرة للغاية وتهدد النسيج المجتمعي العراقي وتهدد أمنه بشكل خطير جداً وغير مسبوقة، إذ بدأت عشائر معينة مع مليشيات "الحشد الشعبي"، باتخاذ هذه الذريعة وسيلة للاستيلاء على ممتلكات عشائر أخرى.
وبحسب الزبيدي، فإن "الثأر العشائري سيستمر بعد مرحلة "داعش"، وستحدث تصفيات خطيرة وتدخل البلاد في أزمة أمنية أخطر من سابقاتها بكثير، لأنها ستكون بطابع عشائري تشترك فيه عشائر بأكملها".
واعتبر أن "الأخطر من ذلك هو تغيير النسيج المجتمعي لتلك المدن عبر تهجير أهلها الأصليين تحت ذريعة (حواضن داعش) وإسكان آخرين من مدن أخرى يختلفون عنهم في الطائفة والمعتقدات، ما سيثير أزمة أمنية كبيرة لا تحمد عقباها".