"حماس" ومصر: تنسيق وسط حقل الألغام واستبعاد الانفراجة قريباً

14 سبتمبر 2017
تحتاج مصر لـ"حماس" لضبط الحدود مع غزة(سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -
تسير حركة حماس في حقل ألغام خطير، مع محاولتها الجديدة لتطوير وتحسين علاقتها مع النظام المصري، بعد سنوات من القطيعة والاتهامات المتبادلة. لا تبدو المهمة سهلة بالنسبة للطرفين، وللأطراف الخارجية المؤثرة في مثل هذه العلاقة. وتأتي "حماس" إلى القاهرة هذه المرة بطرق مختلفة في ظل خيارات معقدة وصعبة لها، إذ عززت من الوجود الأمني على الحدود مع مصر، وهو المطلب المصري الأهم في السنوات الأربع الأخيرة، وبدأت بعلاقات تجارية محدودة مع الجار العربي الذي يتعامل معها بحذر. وتحتاج مصر لحركة حماس لضبط الحدود مع غزة، لكن الحركة التي تدير القطاع الساحلي المحاصر تريد "ثمناً" لذلك، عبر التخفيف عن السكان وفتح معبر رفح وتسهيل الحركة التجارية. وهذا يبدو أيضاً غير سهل في ظل تشابك الملفات الفلسطينية الداخلية التي ترعاها مصر والتي تريد أنّ تعيدها للواجهة.

بالنسبة لـ"حماس"، فإنّ المطلوب من مصر علاقة حقيقية، وليست أمنية، وهو ما يبدو أنه لم يتحقق حتى الآن. غير أنّ قبول الحركة بإعادة ملف المصالحة الفلسطينية إلى مصر، قد يكون مدخلاً لتطوير العلاقة بين الجانبين، بعدما جرى حديث عن تدخل تركي في المصالحة، لا تريده مصر أن يمضي.

وبين رغبات "حماس" تجاه تطوير حقيقي للعلاقة مع القاهرة، والمواقف المصرية المتعاقبة، لا يتوقع محللون أن تصل العلاقة إلى مراحل متقدمة، خاصةً في ظل تراجع مصر عن وعود سابقة قطعتها قبل ثلاثة أشهر بتحسين الأوضاع الإنسانية والتخفيف من الحصار المطبق. ومن القاهرة التي يزورها وفد قيادي بارز من "حماس"، يضم رئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، أعلنت الحركة استعدادها لعقد جلسة حوار مع حركة فتح الفلسطينية في العاصمة المصرية، وذلك عقب لقاء جمع الوفد بوزير الاستخبارات المصرية، خالد فوزي، للمرة الثانية.

ودعت "حماس"، عقب اللقاء، لعقد مؤتمر موسع للفصائل الفلسطينية في القاهرة بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني بالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، كما جرى التأكيد على حرص الحركة على أمن واستقرار مصر وعدم السماح باستخدام قطاع غزة بأي صورة من الصور للمساس بأمنها.


وفي السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى الصواف، إن تشكيلة وفد حركة حماس تظهر أن الحركة جادة في فتح صفحة جديدة مع الجانب المصري وجادة في تعاونها في كافة القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية، ودليل ذلك تشكيلة الوفد المؤلف من قيادات رفيعة، والتي أتت إلى القاهرة. غير أنّ الصواف رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه من الخطأ رفع سقف التوقعات، كونه يجري التعامل مع نظام يتعاطى مع الأمور وفق منظومة سياسية وأمنية، ويجب البقاء على سقف توقعات متواضع، كون هذا النظام مرتبطاً بمصالح مع إسرائيل والولايات المتحدة وأي تحرك من جانبه محكوم بهذه المصالح، بحسب تعبيره. وأشار إلى أنه حتى في ظل وجود أعلى مستوى من قادة "حماس" في القاهرة، إلا أن مصر لا يمكن أن تغير في سياساتها تجاه الحركة وقطاع غزة، ومن غير المتوقع أن تشهد اللقاءات الحالية أي إيجابيات كبيرة، موضحاً أنه "لا يوجد فشل كامل ونجاح كامل"، وفق تعبيره.

وبيّن الصواف أن التفاهمات التي تمت بين الحركة والتيار الذي يقوده القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، والقاهرة، لم يتحقق منها سوى واحد في المائة فقط، في الوقت الذي تزداد فيه الخشية من إمكانية ابتزاز مصري لـ"حماس" لتوريطها بالدخول في سيناء وهو ما ترفضه الحركة. وأكد أن "حماس" ترفض دائماً الدخول والتدخل في الشؤون العربية الخاصة بالدول، وهو ما سترفضه ولا تريده في انفتاحها الأخير على القاهرة، خصوصاً أن الجانب المصري اتهم الحركة مراراً بالتدخل في شؤونه، وفق تعبيره. وقال الصواف: "أنا على يقين من أن الجانب المصري يتعامل مع حماس بالنظرة القديمة نفسها، والسياسة تتبع المصلحة، وإذا تغيرت المصلحة تغيرت السياسات، واليوم هناك مصلحة، ومصر شعرت بالخطر وأن هناك محاولة لتهميشها بعد مؤتمر الرياض"، في إشارة إلى القمة التي شارك فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في السعودية، في مايو/ أيار الماضي.

من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة "الأمة" بغزة، حسام الدجني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك تقييماً يجري من قبل حركة حماس حول العلاقات الخارجية، ويبدو أن الحركة وصلت إلى نتيجة مفادها أن واقع الجغرافية السياسية يفرض عليها أن تكون علاقتها بالجانب المصري أفضل. وقال إن هناك عقبات واجهت الحركة عقب الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، ووصول عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم، كان أبرزها الارتباط بـ"الإخوان المسلمين". إلا أن الوثيقة التي صدرت عن الحركة في مايو/ أيار الماضي، ووصول مكتب سياسي جديد ساهما في الدفع باتجاه واقع جديد، بحسب قوله. وأضاف أن منطق المصالح بات حاضراً الآن، إذ لم تعد "حماس" فقط هي التي تحتاج إلى مصر، بل الأخيرة باتت تحتاج إلى الحركة من أجل ضبط الأوضاع في سيناء والحدود بين القطاع والأراضي المصرية، كون التنمية في شبه جزيرة سيناء مرتبطة برخاء اقتصادي في غزة، بحسب تعبيره. وأشار إلى أن الحركة التي تسيطر على القطاع منذ 2007، نفذت كل المطلوب منها عبر ضبط الحدود والانتشار على طول المنطقة التي تفصل بين الأراضي المصرية وغزة، في حين لم تنفذ مصر المطلوب منها، لا سيما في ما يتعلق بمعبر رفح متذرعةً بالأسباب الأمنية، وفق قوله.

ولفت الدجني إلى أن عقد اللجنة التنفيذية للمكتب السياسي لـ"حماس" اجتماعها في القاهرة، يعطي مكانة أكبر للعاصمة المصرية، خصوصاً أن زيارة وفد "حماس" تتسم بطابع رسمي وليس عابراً، مع التأكيد على أن انفتاح الحركة على القاهرة لن يكون على حساب علاقتها مع الآخرين كأنقرة والدوحة. وبيّن أن تركيبة الوفد تعكس تنوع الملفات، إذ إن الجناح العسكري حاضر وهو ما يعني حضور ملف الجنود الأسرى، كما أن الشخصيات الأمنية موجودة، والتي سيكون لها دور في الملف الأمني بين غزة ومصر، والقيادة السياسية كذلك حاضرة، وهذا يعني أن هناك زيارات أخرى مستقبلية ستجري، بحسب تقدير الدجني.