بعد حجبها لعقود إبان حكم الرئيس الحبيب بورقيبة، انتشرت منذ تسعينيات القرن الماضي عروض الحضرة التي توظّف التراث الصوفي في الغناء والرقص والموسيقى، ومع اشتغال فاضل الجزيري على مسرحتها خلال تسعينيات القرن الماضي، ونجاحها الجماهيري، بدأت تتحوّل إلى ظاهرة تبعه فيها آخرون برؤى مختلف أبرزها تجربة سامي اللجمي في "الزيارة" ثم توالت النتاجات التي أتت غالبيتها اجترراية في معالجتها.
يتواصل الانقسام حول تقييم هذه الأعمال التي استطاع بعض الفنانين إعادة إنتاجها كفرجة ضمن توزيع موسيقي تحكمه رؤية ناضجة وقراء مسرحية جديدة للطقوس الطرقية والصوفية، مقابل آخرين يقدّمون توليفة من الأناشيد والمدائح التي يتمّ تجميعها بطريقة عشوائية تفتقر إلى الرؤية والتجريب، سواء في الموسيقى أو الأغاني، لكن تجدر الإشارة إلى أن كلا الطرفين يجتذب الجمهور.
في هذا السياق، دخل التنافس المنشد توفيق دغمان الذي أراد أن يعيد هذا الشكل إلى جذوره الحقيقية، بحسب تصوّره، ليقترب أكثر من روحية التصوّف من خلال عروضه التي يقدّمها ضمن "حضرة رجال تونس" منذ سنوات، ويقدّمه عند السابعة والنصف من مساء الجمعة المقبل على خشبة "المسرح البلدي" في تونس العاصمة.
نشأ دغمان لعائلة متدينة وحفظ القرآن في سن مبكرة قبل أن ينقل لتعلّم الإنشاد لدى الشيخ محمّد الصحبي التميمي، فأتقن تراث العديد من الطرق الصوفية القادرية والسلامية والطيبية والعيساوية بشكل أساسي، ثم عمل لأحد عشر عاماً مع الفاضل الجزيري في "النوبة" و"الحضرة"، ليؤسس بعد ذلك فرقة "حضرة رجال تونس" التي تتكوّن من أربعين منشداً وموسيقياً.
تقدّم الفرقة العديد من الأغاني المعروفة منها "الليل زاهي"، و"يا أبو الحسن يا شاذلي"، وموشحات دينية مثل "زاد النبي"، و"فرحنا به"، و"تشويق الحج"، و"اللهم صلي على المصطفى"، و"يا محمد يا جد الحسنين"، و"سيدي بوسعيد الباجي"، و"سلطان المدينة" وغيرها.
كما ينشد توفيق دغمان وابنه خليل بمرافقة الإيقاعات "جارت الأشواق" التي تقول كلماتها: "جارت الأشواق يا حبابي/ جارت الأشواق من حب سيدي/ قلبي مشتاق يا حبابي/ جارت الأشواق يا حبابي/ بسم المجيد في الملك وحدو/ يفعل ما يريد لا من يضدو/ ما لو تحديد رب العباد/ هو الخلاق يا حبابي".