تزايدت في تركيا شكاوى إزعاج الجوار خلال فترة الحجر المنزلي، خصوصاً في إسطنبول التي تستضيف أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ، معظمهم من العرب
اتصلت "عائشة هانم"، من منطقة درامان، في حيّ الفاتح بإسطنبول، بالشرطة بعد أن كانت قد طرقت باب جيرانها ونبّهتهم من الأصوات العالية التي تصدر من شقّتهم، "لكنهم استمرّوا بإزعاجنا. ليس من حقّهم أن يغنّوا بصوت مرتفع في الليل، هذا إزعاج لنا، وزوجي مريض، لذا اتصلت بالشرطة". هذا ما قالته رداً على سؤال لـ"العربي الجديد".
وعمّا سيحصل لصاحب المنزل الذي اقتادته الشرطة التركية من منزله، تقول التركية الخمسينية: "اتّصلت بالرقم 181 لتحضر الشرطة، والجيران الآن يكتبون تعهداً بعدم تكرار ما فعلوه. وإن أزعجوا جيرانهم مرة أخرى، فأنا سأتقدّم بشكوى قضائية، يمكن أن يسجنوهم من بعدها، أو حتى يبعدوهم عن الحيّ بشكل إلزامي، إذ إنّ الغرامة وحدها لا تردع الناس، وقد تتساهل الشرطة معهم".
تزايدت في تركيا، بحسب متابعين، شكاوى إزعاج الجوار خلال فترة الحجر المنزلي، خاصة في إسطنبول التي تستضيف أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ، جلّهم من العرب، كما يقول صاحب مكتب عقارات في إسطنبول، أوزجان أوزون. "نتج عن التزام الناس منازلهم لأشهر، مشاكل عائلية وشجارات. حتى حالات الطلاق ازدادت بسبب الحجر المنزلي. بحث العديد من السكّان عن طرق ليمضوا أوقاتهم داخل المنازل، فارتفعت أصوات الموسيقى وأجهزة التلفزيون، وأحياناً الحيوانات الأليفة كالكلاب، ما دفع الكثيرين إلى ترك منازلهم أو الشكوى للشرطة، أو حتى دفع الأمر الناس إلى الشجار. شهدنا وسمعنا عن حالات شجار انتهت بالقتل جراء إزعاج الجوار".
يرى مراقبون أنّ غرامة الإزعاج السابقة وقيمتها 300 ليرة تركية (أقل من 50 دولاراً)، لم تكن كافية لردع كثيرين عن الكفّ عن إزعاج الجوار، ليس من خلال الضوضاء فقط، بل أيضاً من طريق رمي القمامة أو التعدي على الحيوانات المنزلية، ما دفع الحكومة التركية أخيراً، إلى رفع غرامة الإزعاج، سواء على سكّان البناء أو حتى المنشآت والمحال التجارية المجاورة، لتصل بحسب قرار وزارة البيئة والتحضّر إلى 461 ليرة (نحو 62 دولاراً) للمنازل التي يصدر عنها إزعاج، و24.7 ألف ليرة (نحو 3300 دولار) للأنشطة الصناعية والمحال التجارية.
ودعت الوزارة التركية المتضرّرين إلى الاتصال بالجهات المعنية وتقديم شكاوى، "في ظلّ ازدحام المباني متعدّدة الطبقات بالسكّان"، وأكّدت أنّ عدم إزعاج الجار قاعدة عامة والتزام قانوني، في ظلّ قواعد المعيشة الحديثة، وحقّ قانوني يصونه الدستور التركي، ويمكن أي متضرّر أن يرفع دعوى قضائية من خلال محكمة الصلح.
من جهته، يقول القانوني التركي بولانت غول، لـ"العربي الجديد": "قواعد المعيشة في تركيا مصونة بالقانون، ولا تساهل بالموضوع أبداً. وفي ما يخصّ العقوبات، فهي أقسى ممّا يتوقع البعض، فإن لم يرتدع المزعج بعد التنبيه والغرامة، يحقّ للقضاء إبعاده عن الحيّ وبيع منزله، وإيداع المبلغ في حسابه المصرفي".
وحول آلية الشكاوى وإن كانت متاحة للجميع، أو ثمة استثناءات للأتراك، يؤكّد غول أنّ القانون التركي لا يفرّق بين أحد، بل يتشدّد إن كان هناك استقواء من الأتراك على الضيوف أو اللاجئين والسياح، فحقّ المعتقد وحرمة المنزل والحريات الشخصية، مصونة في تركيا، وتصل العقوبات للسجن لمجرد التدخل بحرية الآخر أو معتقده.
ويضيف أنه يمكن أي متضرّر من إزعاج جواره، أن يتقدّم بشكوى إلى محكمة الصلح، بشكل فردي أو من طريق محام، وهو سيتكفّل بدفع رسوم الدعوى، عندها تتابع المحكمة القضية، وتتخذ قراراً وقائياً بحقّ المزعج على شكل غرامة مالية. أمّا بحال الاستمرار في الإزعاج، فيمكن المتضرّر أن يقدّم شكوى للمدعي العام.
ويشير القانوني التركي إلى أنّ "الإزعاج لا يقتصر على أصوات المكيّف أو الغناء في المنازل، بل يطاول الأماكن الصاخبة، وهذه عقوبتها مرتفعة، وتصل إلى 44 ألف ليرة (نحو 6000 دولار)، وهناك غرامة وملاحقة قانونية تطاول رمي القمامة في الشارع. وإن كنّا نتحدث هنا عن قانون آخر، هو القانون البيئي رقم 2872، الذي يفرض عقوبات على الملوثين للبيئة والمناطق العامة، وغرامات مرتفعة على الشركات الملوثة للهواء والبيئة، تزيد على 88 ألف ليرة تركية (نحو 12 ألف دولار)".
ويعزو الأتراك أسباب ارتفاع حالات الإزعاج إلى الوجود الكبير للعرب والسوريين خصوصاً، في تركيا وإسطنبول خاصة، مشيرين إلى اختلاف العادات، خاصة أنّ العرب يسهرون حتى ساعات متأخرة من الليل، ويصدرون أصواتاً مرتفعة. هذا الكلام يرفضه صاحب مكتب العقارات، بولانت أوزون، ويقول: "الأتراك أيضاً يسهرون لساعات متأخرة، بل وبعضهم تأثّر بالحملات الإعلامية التي قادتها بعض أحزاب المعارضة، ووصلت بهم الأمور إلى حدّ التعدّي على السوريين".
ويقول المحامي السوري المقيم في تركيا، وليد الكردي لـ"العربي الجديد" إنه رغم أنّ القضية تكاد تكون شخصية ومن الصعب تعميمها على شعب أو بلد، لافتاً إلى اختلاف نمط الحياة بين العرب أو السوريين، وبين الأتراك، سواء لجهة السهر أو التعاطي داخل المنازل، حتى لجهة إشعال الأنوار والصوت المرتفع "ما رفع نسبة شكاوى الإزعاج، بين الطرفين، لأنّ بعض الأتراك يتعمّدون إزعاج السوريين".
ويلفت المحامي السوري إلى أنّ عدد سكان المنزل، يؤدي دوراً كبيراً بإزعاج الجوار، فالأسرة التركية صغيرة، لا يزيد عدد أفرادها على أربعة أشخاص، في حين أنّ بعض الأسر السورية يزيد عدد أفرادها على العشرة، يسكنون في منزل واحد، كذلك فإنّ تجمّعات الشباب والسكن المشترك شكّلت عاملاً إضافياً لازدياد قضايا الازعاج.