لعلّ حلم الإنسان الدائم، هو الوجود في أماكن تحتفي بالجمال الطبيعي والحياة بأحلى أشكالها، حين تتداخل روح الإنسان الشغوفة بالإحساس الفني واللون، مع الطبيعة الغنيّة بعناصر اكتمالها، مثل الشمس والجبال والينابيع والشجر.
حاوَل العرب أثناء وجودهم في شبه الجزيرة الإسبانية تحويل "جنة العريف"، في غرناطة جنوب الأندلس، إلى مكانٍ لا يشبه باقي المدن التي عاشت تحت حكمهم. مَكانٌ يشبه جنة حقيقيَّة على الأرض، وذلك من خلال اهتمامهم الشديد بالدراسات الهندسيّة الطبيعيّة لأرض الأندلس.
ولموقع غرناطة المتميّز على السفوح والوديان أهمية خاصة. موقعٌ ينقسم بين عدّة جبال، يجعل الماء قادراً على الانحدار إلى الوديان المحيطة، بعد مرحلة ذوبان الثلوج عن جبال نيفادا، ما يُشكّل مجموعة من الشلالات الصغيرة المُصطنعة في هبوطها الاضطراري. ويمنح في المقابل طاقة قادرة على دفع المياه ثانية إلى الأعلى، دون استخدام أي نوع من أنواع الطاقة الكهربائية، ولاحاجة لطاقة الوقود، أو لتقنيات مُستجدّة لكل هذا. هذه الميزة الطبيعيّة، تجعل الأرض تسقي نفسها بنفسها دون آلاتٍ أو تقنيّات جديدة، جراء ذوبان ثلوج القمم أوَّلاً، ومن المياه الجوفية التي تخبّئها الأراضي المنخفضة ثانياً. وهذا كان أهم أسباب بقاء "جنة العريف" على حالها وبكامل حضورها ورونقها منذ ما يزيد عن سبعمائة عام.
تحيطُ "جنة العريف" بقصر كبير، جميل التصميم والزخارف، داخل منطقةٍ كبيرة خضراء جداً تقع بين قصر الحمرا، وحي البيازيين أو البائسين في غرناطة. وقد أخذت اسمها من العربية، إذ إن "جنة" تعني الأرض وارفة الظلال والخضرة والماء، و"العريف" تعني السفح المرتفع قليلاً، وهي أشبه بذلك السفح الذي صُمِّم ليكون راحة للروح، بعيدة عن جفاف ما يحيط بها، ومن عمل في السياسة في قصر الحمرا، وكذلك بعيداً عن ضوضاء المدينة القادم من حي البيازيين. ولهذا الغرض، أحيطت بأربع حدائق كبيرة جداً، تعلوها أشجار السرو والصنوبر، وكأنها منفصلة عن العالم الخارجي.
أصرَّ بنو الأحمر، الذين حكموا منطقة غرناطة في الفترة ما بين 1232م إلى 1394م، على إنشاء هذه البقعة الخلابة، بالإضافة إلى بناء قصر الحمرا. ولعل الفضل في وجودها يعود، أيضاً، إلى محمد الثالث بن الأحمر الذي حكم بين عامي 1302م إلى 1309م، والذي بنى القصر وجزءاً كبيرة من الحدائق، والذي أراد أن يكون المكان الذي يلجأ إليه مع الشعراء والعلماء والموسيقيين، "كي تستعيد الروح روحها" كما كان يقول، ويخفف من أعباء المسؤولية التي يتولاها.
أما المرحلة الثانية من مراحل بناء "جنة العريف"، فقد كانت في عهد أبي الوليد اسماعيل بين عامي 1313م إلى 1324م، والذي حاول أن يطوّر علم الزراعة فيها. وقد أرسل أبي الوليد في طلب كبار المهندسين وخبراء الزراعة والأرض، لكي يُحسّنوا في الحدائق، ويضيفوا إليها تصماميم جديدة، ما أضفى عليها مزيداً من الجمال المدروس وفق نظام المناخ. كما تميزت الواحات بأنواع شتى من الورود، مثل القرنفل والمنثور والريحان، بالإضافة إلى بعض الأشجار المثمرة، مثل شجرة الرمان التي ميزتها، والتي جعلت كل غرناطة تحمل اسمها.
لقد حاول بنو الأحمر الذين أسّسوا لمرحلة تعايش بين كل الحضارات، ترك رسالة من الجمال الحسّي الطبيعي واللوني الراقي لكل العالم. رسالة تقول، إن الانسان قادر على صناعة جنّته في الأرض، إذا استطاع أن يعمّر بداخله الحب والتعايش، وإذا استطاع أن يسخّر معارفه وقدراته التي لا تحصى لهذه الغاية. وبأن العرب هم ورثة حضارة حقيقيّة مدهشة، إذ لم تزل الآثار التي تركتها هذه الحضارة تدهش الغرب، فجنة العريف، الآن، هي من أكثر أماكن العالم التي يقصدها السياح، وهي الجوهرة التي تتباهى بها إسبانيا.
اقــرأ أيضاً
حاوَل العرب أثناء وجودهم في شبه الجزيرة الإسبانية تحويل "جنة العريف"، في غرناطة جنوب الأندلس، إلى مكانٍ لا يشبه باقي المدن التي عاشت تحت حكمهم. مَكانٌ يشبه جنة حقيقيَّة على الأرض، وذلك من خلال اهتمامهم الشديد بالدراسات الهندسيّة الطبيعيّة لأرض الأندلس.
ولموقع غرناطة المتميّز على السفوح والوديان أهمية خاصة. موقعٌ ينقسم بين عدّة جبال، يجعل الماء قادراً على الانحدار إلى الوديان المحيطة، بعد مرحلة ذوبان الثلوج عن جبال نيفادا، ما يُشكّل مجموعة من الشلالات الصغيرة المُصطنعة في هبوطها الاضطراري. ويمنح في المقابل طاقة قادرة على دفع المياه ثانية إلى الأعلى، دون استخدام أي نوع من أنواع الطاقة الكهربائية، ولاحاجة لطاقة الوقود، أو لتقنيات مُستجدّة لكل هذا. هذه الميزة الطبيعيّة، تجعل الأرض تسقي نفسها بنفسها دون آلاتٍ أو تقنيّات جديدة، جراء ذوبان ثلوج القمم أوَّلاً، ومن المياه الجوفية التي تخبّئها الأراضي المنخفضة ثانياً. وهذا كان أهم أسباب بقاء "جنة العريف" على حالها وبكامل حضورها ورونقها منذ ما يزيد عن سبعمائة عام.
تحيطُ "جنة العريف" بقصر كبير، جميل التصميم والزخارف، داخل منطقةٍ كبيرة خضراء جداً تقع بين قصر الحمرا، وحي البيازيين أو البائسين في غرناطة. وقد أخذت اسمها من العربية، إذ إن "جنة" تعني الأرض وارفة الظلال والخضرة والماء، و"العريف" تعني السفح المرتفع قليلاً، وهي أشبه بذلك السفح الذي صُمِّم ليكون راحة للروح، بعيدة عن جفاف ما يحيط بها، ومن عمل في السياسة في قصر الحمرا، وكذلك بعيداً عن ضوضاء المدينة القادم من حي البيازيين. ولهذا الغرض، أحيطت بأربع حدائق كبيرة جداً، تعلوها أشجار السرو والصنوبر، وكأنها منفصلة عن العالم الخارجي.
أصرَّ بنو الأحمر، الذين حكموا منطقة غرناطة في الفترة ما بين 1232م إلى 1394م، على إنشاء هذه البقعة الخلابة، بالإضافة إلى بناء قصر الحمرا. ولعل الفضل في وجودها يعود، أيضاً، إلى محمد الثالث بن الأحمر الذي حكم بين عامي 1302م إلى 1309م، والذي بنى القصر وجزءاً كبيرة من الحدائق، والذي أراد أن يكون المكان الذي يلجأ إليه مع الشعراء والعلماء والموسيقيين، "كي تستعيد الروح روحها" كما كان يقول، ويخفف من أعباء المسؤولية التي يتولاها.
أما المرحلة الثانية من مراحل بناء "جنة العريف"، فقد كانت في عهد أبي الوليد اسماعيل بين عامي 1313م إلى 1324م، والذي حاول أن يطوّر علم الزراعة فيها. وقد أرسل أبي الوليد في طلب كبار المهندسين وخبراء الزراعة والأرض، لكي يُحسّنوا في الحدائق، ويضيفوا إليها تصماميم جديدة، ما أضفى عليها مزيداً من الجمال المدروس وفق نظام المناخ. كما تميزت الواحات بأنواع شتى من الورود، مثل القرنفل والمنثور والريحان، بالإضافة إلى بعض الأشجار المثمرة، مثل شجرة الرمان التي ميزتها، والتي جعلت كل غرناطة تحمل اسمها.
لقد حاول بنو الأحمر الذين أسّسوا لمرحلة تعايش بين كل الحضارات، ترك رسالة من الجمال الحسّي الطبيعي واللوني الراقي لكل العالم. رسالة تقول، إن الانسان قادر على صناعة جنّته في الأرض، إذا استطاع أن يعمّر بداخله الحب والتعايش، وإذا استطاع أن يسخّر معارفه وقدراته التي لا تحصى لهذه الغاية. وبأن العرب هم ورثة حضارة حقيقيّة مدهشة، إذ لم تزل الآثار التي تركتها هذه الحضارة تدهش الغرب، فجنة العريف، الآن، هي من أكثر أماكن العالم التي يقصدها السياح، وهي الجوهرة التي تتباهى بها إسبانيا.