"جاستا"؟... جميعكم متهمون

01 أكتوبر 2016
+ الخط -
أقرّت الولايات المتحدة قانون "جاستا" (العدالة ضد رعاة الإرهاب) الذي يُعدّل قانوناً صدر في 1967، يعطي حصانة لبلدانٍ أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة، الأمر الذي سيعطي الحق لأسر ضحايا هجمات "11سبتمبر" في 2001 بمقاضاة دول أجنبية في قضايا "الإرهاب". المقصود هنا السعودية، بحكم انتماء 15 من المتورطين الـ19 في الهجمات إلى المملكة.
أظهرت الولايات المتحدة عدم اكتراثها بتداعيات قرارها حتى الآن. بالنسبة إليها "يجب تحقيق العدالة"، وعلى الرغم من "الفيتو" الذي وضعه الرئيس، باراك أوباما، ضد القانون، لأنه "يمسّ مصالح أفراد ومجموعات أميركية حول العالم"، إلا أن مجلس الشيوخ في الكونغرس أطاح "الفيتو" الرئاسي.
في المبدأ، جميلٌ أن تتحقق العدالة، على ألا تكون انتقائية واستنسابية. ماذا لو قرّر ملايين العراقيين رفع دعاوى قضائية على الأميركيين بتهمة "الإبادة"، بعد غزو البلاد في عام 2003؟ ماذا لو قرّر ملايين الأفغان الأمر نفسه، رداً على غزو 2001؟ في البلدين، حارب الأميركيون "الإرهاب" وفق مفهومهم، لكنهم ارتكبوا "أخطاء قاتلةً" أدت إلى مقتل آلاف المدنيين الأبرياء. ماذا لو قرّر الفييتناميون استعادة زمن قنابل "النابالم" والتقدّم قضائياً في مختلف المحافل الدولية في أيامنا، للحصول على العدالة الناقصة، على الرغم من علاقتهم الممتازة بالأميركيين حالياً؟ ماذا لو قرّر اليابانيون حسم أمرهم في قاعدة أوكيناوا، ورفع دعاوى قضائية على الأميركيين باسم ورثة ضحايا قنبلتي هيروشيما وناغازاكي النوويتين؟ هل ستسمح الولايات المتحدة بذلك؟ ماذا لو قرّر سكان أميركا الأصليون الانتفاضة، والمطالبة بحقوقهم التاريخية، بعد المجازر التي تعرّضوا لها على أيدي "الأبيض" الوافد من خلف البحار؟
وإذا ابتعدنا قليلاً عن بلاد العم سام، ماذا لو قرّر الفلسطينيون واللبنانيون والسوريون والمصريون والأردنيون، وكل من هم في دول الطوق حول الكيان الإسرائيلي، رفع دعاوى قضائية على الإسرائيليين الذين قاموا بأشنع المجازر وأفظعها، هل من سيوافق؟ خصوصاً أنه لم يتمّ إقرار قضايا عدة عالقة في المحافل الدولية، بسبب الفيتو الأميركي على كل ما يتعلق بإسرائيل. ماذا لو قرّرت بعض شعوب العالم العربي رفع دعاوى على رؤسائها الذين يحتكرون السلطة، ويقتلون كل من يعارضهم؟ هل سيقف المجتمع الدولي معهم إحقاقاً للحق، أم أنه، كالعادة، سيكتفي ببياناته ورسائله التعاطفية؟
قد يكون قانون جاستا مدخلاً لبعض أهالي الضحايا في الحصول على العدالة، لكنه بطبيعة الحال لم يولد من رحم العدالة نفسها، بل بقرارٍ سياسي، خصوصاً أن تاريخ الأميركيين مع العدالة لا يُشجّع. ومثلاً، دفعت ألمانيا أثماناً باهظة جرّاء إدخالها العالم في حرب عالمية ثانية (1939 ـ 1945) وفق مفهوم الدول المنتصرة عليها، وبقيت، حتى وقتٍ قريب، تدفع أثمان الحرب للمتضرّرين، مع العلم بأن برلين عوقبت أيضاً عقب الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918).
تحقيق العدالة أمر ضروري لكسر روتينية المراحل الدموية في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن استنسابيتها جعل من الجميع ضحايا. وبدلاً من ترسيخ مفهوم العدالة الأممية، تحوّلت تلك العدالة إلى استعراضٍ مشابه لقواعد رعاة البقر في الغرب الأميركي. يفوز الأقوى بكل شيء، محقّقا عدالته الخاصة، وفارضاً قانونه الخاص، وفقاً لمعايير شخصية ومزاجية، لا قانونية واجتماعية.
أكثر من ذلك، أقرّت بلجيكا في عام 1993 قانوناً قضائياً، عُدّل بصلاحيات دولية عام 1999، لملاحقة أي شخص متهم بـ"ارتكاب جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" ومحاكمته، بغض النظر عن منصبه وهويته ومكان ارتكاب مثل هذه الجرائم. حينها رُفعت دعاوى قضائية ضد رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك، آرييل شارون، لدوره في مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982. لاحقاً أسقطت محكمة العدل الدولية في لاهاي القانون البلجيكي، باسم "الحصانة الدبلوماسية"، ونجا شارون، كما نجا جميع المتهمين قبل "جاستا".
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".