"تونس للكتاب": سياسات المعرض وتوجّساته

31 مارس 2016
(من المعرض، تصوير: فتحي بلعيد)
+ الخط -

يلحظ الزائرون لـ"معرض تونس الدولي للكتاب" هاجس تخوّف إدارة المعرض من العمليات الإرهابية. يبدو ذلك جلياً منذ بوابات المَعرض، في ضاحية الكرم، حيث يمرّ الزوّار من نقاط تفتيش أمنية مشددة.

لكن هذا التوجّس لا يتوقّف عند الباب، بل يتواصل إلى داخل أروقة المعرض، وحتى إلى رفوف أجنحة العارضين، من خلال قرار إدارة المعرض منع أي كتاب يدعو إلى التطرّف. وبرغم كل هذا، يبقى معرض تونس من أكثر المعارض العربية حرية في تقديم الكتب، وفق ما أكده بعض الناشرين العرب والتونسيين لـ"العربي الجديد".

حرصت الهيئة المشرفة على التظاهرة، بحسب ما أكده مدير الدورة، العادل خضر، على أن "تكون القوائم المرسلة بعناوينها المختلفة من طرف دور النشر العربية والعالمية خالية من الكتب ذات المحتوى الديني الذي يدعو إلى التطرّف". وللتذكير، فقد تعرّضت دورات سابقة (بعد الثورة) إلى انتقادات شديدة بسبب وجود عدة كتب اعتبرت طائفية أو تدعو إلى التعصّب الديني والمذهبي.

تقول سلمى الجبّاس، صاحبة "مكتبة الكتاب" (تونس) وعضو لجنة إدارة المعرض، لـ"العربي الجديد"، إن "اللجنة تركت الحرية للعارضين أنفسهم للاشتغال على قائمة الكتب التي ترسل قبل العرض"، موضحة أنه "لا يوجد إقصاء لأي عنوان في تونس بعد الثورة؛ إذ لا يمكن منع أي كتاب إلا عن طريق القضاء، وهذه ميزة في معرض تونس دون المعارض العربية الأخرى"، بحسب تعبيرها.

في السياق ذاته، قال الناشر فريد الدعاس، من الجناح الجزائري في معرض تونس، إن "معرض الجزائر للكتاب يتوخّى نفس الطريقة"، مشدّداً على أن "المراقبة ضرورية للتوقّي من الكتب ذات المحتوى المتطرّف، والتي تدعو إلى العنف والاقتتال"، كما أكد أنهم لم يتعرّضوا لمصادرة أي كتاب منذ بداية مشاركته في معرض تونس، على عكس معارض أخرى "تعرّضنا خلالها إلى منع العديد من العناوين".

واعتبر هشام السوسي، وهو مدير دار "الجيل" (تونسية لبنانية) أن "الإجراءات التي قامت بها إدارة المعرض ضرورية، وأن هذا معمول به في كل الدول العربية"، وأوضح "شاركت في عديد المعارض العربية، وكانت الرقابة أكثر بكثير من تونس، إذ مُنعت حتى أعمال أدبية، مثل مؤلّفات جبران خليل جبران".

علي عوين، رئيس الاتحاد الناشرين في ليبيا، أكد أن المشاركة الليبية لم تتعرّض لمنع أي كتاب خلال هذه الدورة في تونس، وكان ذلك أيضاً في كل دورات المعرض بعد الثورة.

وحول ظروف العرض، قال عوين إنه نظراً للظروف الأمنية الصعبة في ليبيا، لاقى المشاركون الليبيون العديد من الصعوبات في شحن الكتب من ليبيا إلى تونس؛ ما اضطرّهم إلى جلب الكتب التي تبقت من معرض القاهرة، بسبب عدم وجود طائرات بين البلدين.

هنا، عبّر الناشر الليبي عن استيائه من "عدم وجود حكومة في ليبيا يعوّل عليها قصد المشاركة في المعارض الدولية"، يضيف "لذلك حرص اتحاد الناشرين الليبيين، باعتباره مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني، على الحضور رغم الصعوبات الجمة".

وبخصوص قرار إدارة المعرض التونسي بمنع الكتب التي تعتبر داعية للتطرّف، قال عوين إنه "أمام ما يحدث من أعمال عنف في المنطقة، ينبغي أن يسعى الجميع إلى نبذ هذا النوع من الكتب"، مشيداً بقرار إدارة المعرض رفض العناوين التي تدعو إلى التطرّف الديني، وهو يرى أن هذا الأمر لا يعني أن ثمة تضييقات في معرض تونس.

من جهته، يعتبر الملحق الثقافي في سفارة السعودية في تونس، عبدالعزيز بن محمد الصالح، أن "قرار إدارة المعرض المتمثل في مراقبة الكتب ضروري"، بل يؤكد أنه "من حقّ أية دولة منع ما تراه غير مناسب لسياستها العامة"!

بعد الثورة (2011)، كان معرض الكتاب في تونس فرصة لتجسيد مبادئ الحرية التي رُفعت شعاراتها في الحراك الاجتماعي والسياسي، ففتحت أبواب المعرض للجميع بدون استثناء، وهو ما وفّر أرضية لدور نشر كانت ممنوعة في عهد بن علي، معظمها تنشر الكتب الدينية.

غير أن الأحداث التي أخذت تهز تونس بداية من 2013، والمرتبطة غالباً بانتشار الفكر الديني المتطرف، دفعت إدارة المعرض، ابتداءً من دورة السنة الماضية، إلى إعادة النظر في مبدأ الحرية المطلقة؛ ما يجعل الإدارة تقف على ضرورة تحقيق معادلة صعبة بين حرية التعبير والتوقي من بعض المنشورات.

الناشر تامر شكري، صاحب "دار الأنوار" المصرية، يرحّب بقرار إدارة المعرض المتعلق بمنع الكتب التي تدعو للتطرّف والاقتتال. لكنه يلفت الانتباه إلى مسائل تنظيمية أخرى؛ إذ يقول "لقد تعرّضنا لإشكال كبير في الحصول على تأشيرة الدخول إلى تونس"، مشيراً إلى أن عدداً من الناشرين المصريين لم يتحصلوا إلى حد الآن على تأشيرة.

لعل هذه النقطة تفتح على أفق أوسع لا تتحمّله الجهات المشرفة على معارض الكتب عربياً، وإنما مجمل الأنظمة التي كثيراً ما تنسى دورها في إنجاح مثل هذه التظاهرات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنها الأسعار
من مفارقات معرض تونس للكتاب أن التوقعات بنجاحه كانت ضئيلة، خصوصاً حين نُشرت قبل أسبوع من انطلاقه برمجته الثقافية التي بدت أقل إشعاعاً من الدورات الماضية. لكن بمرور أيام المعرض، بدا الارتياح من قبل العارضين والزوّار، بفضل عدم تعسّف الإدراة وسلاسة الوصول للمعرض رغم التفتيشات. لكن يظل العائق الكبير أمام نجاح المعرض هو تذمّر الزوّار من غلاء الأسعار. لعل هذه المسألة تحتاج سياسة أيضاً.

دلالات
المساهمون