يظلّ مفهوما السلطة والحرية ملتبسين، كلما تعلق الأمر بتناولهما في عرض مسرحي، أما وأن يكون العرض محاولة لصناعة فرجوية تبغي دغدغة المشاعر، محاولة، في الآن ذاته، الـ"إيهام بتمثيل الواقع وتناقضاته"، فالأمر قد يطرح أكثر من سؤال، حول إمكانية التمثيل وصدقيته.
بإمكانات "محدودة" جداً كما هو حال المسرح المغربي عموماً، نشعر عند مشاهدة المسرحية الجديدة "توقيع" لفرقة "عبور" التي عُرضت في المغرب أخيراً، بسطوة "النص" بكل ما يرافقه من حمولة وأفكار ومرجعيات مسبقة، أثقلت في النهاية على المخرج محمود الشاهدي، ولم تساعده على الذهاب إلى أبعد مدى.
ينبثق النص الدرامي، للدراماتورج، عصام اليوسفي، من فكرة للفنان زكريا لحلو، وهي فكرة أثمرت نصاً درامياً يحكي مسار خمس شخصيات، تتشابك علاقاتهم إلى حد يجعلهم يشكلّون ما يشبه "مجتمعاً مصغراً" يختزل مغرب اليوم، وما يعانيه من حالات فساد تبدأ بالسلطة ولا تنتهي بالمجتمع.
اختار المخرج، محمود الشاهدي، تصوّراً ركحياً ينسجم مع رؤية الكاتب للمجتمع من الزاوية الأيديولوجية، ويركّز على الجانب "الواقعي". وهو اختيار يبدو أنّه قيّد طريقة اشتغال الشاهدي، وأَسلكه طريقاً بعيداً عن طريق اشتغاله المعهود في أعمال سابقة.
يحكي العمل أساساً قصّة اعتقال رجل أعمال وسياسي بارز، لاتهامه في قضيّة انهيار عمارة، ولتصريحه وهو خارج البلاد حول الفساد في بلاده. وعبر هذه القصة المحورية تبرز المسرحية مجموع العلاقات الإنسانية المتشابكة والمرتبطة بأطماع ومصالح، يختلط فيها الإنساني بالسياسي بالاجتماعي، وتكشف عن مجموعة مفارقات، لم تكن بالمرة إلا محاولة في فهم "راهن" مغربي معقّد من زاوية "أكثر تعقيداً".
ما يقترحه عرض "توقيع" يخلق نقاشاً آخر بالتوازي، يتجاوز حدود النص المثقل أيديولوجياً، بل يسائل طبيعة الفرجة المسرحية المغربية في حدّ ذاتها، في مشهد مسرحي مغربي يعيش حراكاً لافتاً في السنوات الأخيرة، خصوصاً على مستوى الاجتهاد التقني والجمالي.
فهل ما يقترحه كل من عصام اليوسفي ومحمود الشاهدي في "توقيع"، يمكن اعتباره بمثابة إعلان لـ"مسرح" قريب من الجمهور، يحاول جاهداً استعادة الفرجة المسرحية إلى قاعاتها المهجورة؟ أم أن الأمر لا يتجاوز أن تلتقي زمرة من المسرحيين، حول مشروع مسرحي يرغبون من خلاله أن يوقعوا على شهادات حضور في مغرب اليوم؟ قد يكون الأمر متشابهاً ولا يختلف كثيراً مهما كانت الإجابة، ما دامت فرقة "عبور" تكشف، درامياً، "فخاخَ" السلطة ومجتمعاً أنهكه الفساد.