"تموت تخلّي"... أحذية حصرية للفقراء

18 يناير 2015
حذاء "تموت تخلي"، يموت صاحبه ويتركه بدون أن يبلى
+ الخط -

في مساحة لا تكاد تتسع لشخصين، وتتكدس فيها إطارات السيارات البالية مع كتلة من المعاول الحديدية القاطعة وعلب سوائل لاصقة مرتّبة بإهمال، يدير عيسى آدم ورشته التي تشتهر بصناعة الحذاء السوداني ذائع الصيت "تموت تخلي".

و"تموت تخلي" عبارة عن حذاء يُصنّع بأدوات بدائية، من إطارات السيارات المستعملة وينتشر وسط المجتمعات الفقيرة نظرا لثمنه الزهيد. فتكلفة صناعة الحذاء، كما يقول آدم لوكالة الأناضول: "بسيطة للغاية، ولا تتطلب سوى جمع الإطارات المستعملة، ثم تقطيعها لصناعة "تموت تخلي" الذي يتكون من أرضية فقط مع رباطين لتثبيت القدم".

ورغم ثمن الحذاء الزهيد وتنميطه كمنتج للمجتمعات الفقيرة إلا أنه يمتاز بالمتانة، ومن هنا جاء اسم "تموت تخلي" بمعنى يموت صاحبه ويتركه من دون أن يبلى. ويُطلق على الحذاء أيضا "الشِدّة" كناية على صلابته. ونسبة إلى التصنيف الطبقي للحذاء تراجع انتشاره خلال العقدين الماضيين مع ازدهار الاقتصاد السوداني بفعل استخراج النفط وارتفاع مستوى الدخل، لكن في الآونة الأخيرة، عاود سوق "تموت تخلي" الانتعاش مع تدهور الأوضاع الاقتصادية مجدداً بسبب فقدان العائدات النفطية.

ففي يوليو/تموز 2011 خسر السودان 75 % من حقول النفط، والتي كانت تمثل أكثر من 50 % من الإيرادات العامة، بانفصال جنوب السودان بموجب استفتاء شعبي أقرّه اتفاق سلام أبرم في 2005، وأنهى عقوداً من الحرب الأهلية. ويستحضر آدم تلك الأيام التي كان الناس يعزفون فيها عن شراء منتجه قائلا "كغالبية من كانوا يمتهنون صناعة الحذاء، تركوها، ومن تبقى منهم لا يجد زبائن". وأضاف آدم الذي يصنع منتجه تحت ظل شجرة في ميدان عام مقابل رسوم رمزية يدفعها للسلطات المحلية "في السابق كنت لا أبيع أكثر من حذائين أو ثلاثة، لكنني اليوم أبيع أكثر من عشرة".

ويبلغ سعر الحذاء الواحد عشرة جنيهات أي ما يعادل 1.8 دولار أميركي، وهو سعر "مناسب" لذوي الدخل المحدود. يعمل "علي النور" في ورشة لصيانة السيارات بالقرب من ورشة آدم، ويرتدي حذاء من صنعه. وبشيء من التعجب، يتساءل النور "هل بإمكان شخص لا يتجاوز أجره الشهري 750 جنيها (132 دولارا) أن يشتري حذاءً سعره مئتا جنيه (35 دولارا)". وفيما يتحاشى بعض ذوي الدخل المحدود ارتداء الحذاء بوصفه "عنواناً لفقرهم" كما يقول آدم، إلا أن النور يؤكد أنه وكثيرون غيره "لم يفكروا في الحذاء بهذه الطريقة لأنّ الفقر ليس عيباً".

وتُقارب نسبة الفقر في السودان 50 % وفقاً لإحصاءات رسمية، بينما تقول المعارضة: "إن الرقم أكبر من ذلك بكثير، وتقدره بنحو 90 % بناءً على معايير الأمم المتحدة". وبغض النظر عن مدى شيوع هذه النظرة الاجتماعية المتأففة من "تموت تخلي"، يجزم النور أنه "سيبقى أحد أهمّ الخيارات، طالما أنّ كثيراً من الأُسر لا تستطيع إرسال أبنائها إلى المدارس بأقدام حافية".

المساهمون