"تمرد"... من "الولادة الصحافية" إلى منبر لدعم "الدولة العميقة"

03 يوليو 2017
من تحركات "تمرد" في 2013 (Getty)
+ الخط -
قبل أربع سنوات من اليوم، كان المشهد كالآتي في مصر: متظاهرون مصريون يهتفون في الشوارع تحت حراسة قوات الجيش والشرطة "يسقط يسقط حكم المرشد". محتجون عند قصر الرئاسة "الاتحادية" وآخرون في ميدان التحرير يطالبون بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وعناصر من الجيش تقوم بتوزيع الأعلام عليهم. أيام قليلة قبل أن يعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي عزْل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا آنذاك المستشار عدلي منصور رئيساً مؤقتاً للبلاد. ذلك ما ظهر للجميع في الصورة، ولكن في الخلفية حدث كثير من الأمور التي لم يعلم بها الملايين الذين خرجوا في الشوارع. فكيف جرى التخطيط لتنفيذ الانقلاب على أول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر، ومن هم أبرز الرعاة والمخططين السريين لهذا الانقلاب، وإلى أي مدى تم استغلال كثيرين من الشعب المصري والدفع بهم في أتون الصراع السياسي الذي كان دائراً بين جماعة الإخوان المسلمين من جهة، والعسكريين وما يعرف بـ"الدولة العميقة" من جهة أخرى؟

هذه الأسئلة يجيب عنها أعضاء سابقون في الحملة التي سُميت بـ"تمرد"، والتي استخدمها العسكريون لإطاحة الرئيس محمد مرسي، من الذين شهدوا تفاصيل ما حدث قبل انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013. أعضاء "تمرد" السابقون وصحافيون أيضاً، تحدثوا مع "العربي الجديد" وكشفوا فصولاً من "تمرد". بدأت الحكاية، بحسب أحد المقربين من مؤسس الحملة النائب محمود بدر، عندما قرر رئيس تحرير جريدة "التحرير" في ذلك الوقت إبراهيم عيسى، فصل مجموعة من الصحافيين الشباب بالجريدة تخفيضاً للنفقات بحجة أنهم لا يمارسون عملهم بالمستوى المطلوب، فقرروا إثر ذلك، وباقتراح من محمود بدر، والذي ترك عمله في الصحيفة مع عيسى قبل فصل هؤلاء، تدشين وسم بعنوان "#تمرد_ضد_إبراهيم_عيسى". واستمروا من خلال هذا الوسم في الهجوم على عيسى واتهامه بأنه يهدر حق الصحافيين ويحرمهم من حقوقهم، ووصل الأمر ذات مرة إلى تنظيم وقفة احتجاجية ضد إبراهيم عيسى عند مقر الجريدة، ناله منها ما نال من تهكم وسباب، وهتف فيها محمود بدر ضد عيسى ووصفه بـ"أبو حمالات". وهو الوصف الذي اعتاد معارضو عيسى أن يصفوه به. وقرر عيسى الاعتكاف في منزله لفترة طويلة ولم يعد إلى عمله حتى تم فصل جميع من شارك في تلك الوقفة.

طرأت لمحمود بدر فكرة تحويل اتجاه حملة "تمرد" من ناحية إبراهيم عيسى إلى "تمرد ضد الرئيس مرسي". وجدت الفكرة صدى لدى المجموعة المحيطة ببدر، فأخذوا على عاتقهم تطويرها والدفع بها، وقاموا بطباعة بعض الاستمارات التي وُزعت في ميدان التحرير خلال فعاليات احتجاجية لاحقة، وقاموا بجمع العشرات والمئات من التوقيعات.

في هذا الصدد، لفت عضو في "تمرد"، إلى أن "الحملة استطاعت فعلاً في بداية الأمر أن تجد بعض المؤيدين هنا وهناك، كما استطاعت أن تجد متطوعين في بعض المحافظات يقومون بجمع التوقيعات". وكشف بأن الأمر استمر حتى ورود اتصال من أحد ضباط المخابرات لمحمود بدر، موحياً بأن الوضع تغير إثر هذا الاتصال. ووفقاً لزميل بدر السابق، فإنه "منذ عقد الاتفاق مع المخابرات، تغيّر وضع بدر السياسي والإعلامي".



زميل صحافي آخر عمل مع عيسى أثناء رئاسة الأخير لجريدة "التحرير" روى بدوره فصلاً من فصول تلك القصة، مؤكداً أن "نشر أخبار حركة (تمرد) كان من المحظورات في جريدة التحرير، نظراً لأن عيسى كان يحمل ضغينة لمحمود بدر، بسبب الحملة التي قادها الأخير ضده. فكان عيسى يرفض نشر أي خبر حتى لو كان صغيراً عن بدر أو الحركة. غير أن الأمر تبدّل إثر تدخلات عليا، تحوّل معها محمود بدر لدى إبراهيم عيسى إلى المناضل الصلب، والشاب النقي".

عضو "تمرد" السابق شدّد على أنه "بعد ذلك التاريخ أيضاً فتحت جميع الأحزاب المصرية أبوابها لبدر وزملائه، حتى إن رئيس حزب الوفد السيد البدوي نظم مؤتمراً في مقر الحزب للحركة رغم عدائه التاريخي مع محمود بدر، والذي يعود للأزمة التي وقعت قبيل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، عندما كان بدر محرراً في جريدة الدستور واشتراها السيد البدوي بأوامر من جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة) وقتها، من أجل تفريغها من مضمونها المعارض للرئيس المخلوع حسني مبارك. وقام بإنهاء عقد عيسى وكثير من الصحافيين، ومنهم محمود بدر، فاعتصم هؤلاء داخل نقابة الصحافيين احتجاجاً على ذلك".

وأضاف زميل بدر أنه "في المؤتمر الذي نظمه السيد البدوي لحركة تمرد، بحضور رئيس حزب الوفد البدوي، والأمين العام للحزب فؤاد بدراوي ومساعد رئيس الوفد منير فخري عبد النور، وعدد من قيادات الحزب تم عرض عشرات من الصناديق قيل إنها دفعة جديدة من استمارات تمرد، والتي تم توقيعها من خلال المقر المركزي لحزب الوفد وتضم 900 ألف استمارة". إلا أن تلك الصناديق حسبما أكد عضو "تمرد" السابق: "كانت تحتوي على مجرد أوراق فارغة لا تحمل أية توقيعات".



تحدّث البدوي خلال المؤتمر وقال "إن الكلمة الأولى اليوم لشباب مصر الذين لم تتحقق أهداف ثورتهم والتي سقط من أجلها الشهداء، وتناسى الذين تولوا السلطة أن الشباب الذي لم تتحقق أهداف ثورته سيظلّ ثائراً حتى تتحقق تلك الأهداف، وشباب تمرد هم استمرار للثورة الأولى". وأضاف البدوي "اليوم آن لنا كقادة للأحزاب والقوى السياسية أن نتراجع خطوة للخلف ونترك لشباب تمرد الذي لا يمكن أن يهدأ حتى تتحقق أهداف الثورة، وهذه رسالة لمن يحكمون اليوم ولأي حاكم سيأتي لعقود طويلة مقبلة".

أما محمود بدر "منسق حملة تمرد" فقدم الشكر للشعب المصري الذي "حوّل تمرد من مجرد فكرة إلى كيان راسخ التفت حوله كل القوى السياسية". كذلك وجّه الشكر لحزب الوفد الذي فتح كل مقاره لحملة تمرد. وأضاف "جئنا لنتسلم مئات الآلاف من الاستمارات التي جمعها المقر الرئيسي لحزب الوفد من المصريين، لنؤكد أن المطلب الذي التف حوله الشعب المصري هو الانتخابات الرئاسية المبكرة". وأكد أن "30 يونيو/ حزيران هو موجة ثورية جديدة لاستكمال ثورة 25 يناير".

وعلى نهج حزب الوفد سارت أحزاب "مدنية" أخرى عدة. فأعلن رئيس حزب التجمع سيد عبد العال فتح جميع مقار الحزب بالقاهرة ومختلف المحافظات أمام حملة "تمرد" لجمع توقيعات سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي. وقال عبد العال، في بيان أصدره الحزب إن التجمع "يشارك بقوة في حملة تمرد، بتوجيه الجماهير في القرى للمشاركة في الحملة".

وفي هذه الأثناء أعلنت عضو اللجنة المركزية لحملة "تمرد" مي وهبة تجاوز التوقيعات ثلاثة ملايين توقيع، معربة عن سعادتها بالإقبال الشديد من المواطنين على توقيع استمارات "تمرد" سواء داخل أو خارج مصر. ثم أعلن محمود بدر بعدها بأيام قليلة تجاوز التوقيعات 22 مليون توقيع، إلا أن زميل بدر المقرب وزميله السابق في الحركة، شدّد على أن كل الأرقام المليونية التي أعلنت عنها الحركة كانت غير حقيقية بالمرة.