شكّل لبنان فضاءً أساسياً لتحرّكات الرحّالة والباحثين الأوربيين إلى جانب فلسطين ومصر، مع ظهور الصور الفوتوغرافية الأولى للمناطق الأثرية فيه، وانتقال عدد منهم للبحث والتدريس مثل المستشرق البلجيكي الأب هنري لامِنْس اليسوعي (1862-1937)، الذي تطلق عند الثانية عشرة من ظهر اليوم الإثنين طبعة جديدة من كتابه "تسريح الأَبصار في ما يحتوي لبنان من الآثار" (1903) في "الجامعة اللبنانية الأَميركية" ببيروت.
عمِل لامِنْس مدرساً للغة للعربية والتاريخ في الكلية اليسوعية في لبنان، وهناك تمكّن من الاطلاع على أمّهات كتب التراث، فوضع عدّة دراسات تاريخية وأدبية مثل "سورية: ملخص تاريخي"، و"الإسلام: المعتقدات والمؤسسات"، و"مهد الإسلام: غرب الجزيرة العربية قبل الهجرة"، و"الحدود القديمة بين سوريا وحجاز"، كما أصدر جريدة "البشير" البيروتية".
لطالما اتهم صاحب كتاب "فاطمة وبنات محمد" بتحامله ضد الإسلام وتاريخه، نتيجه منهجيته القائمة على التشكك في التعامل مع مصادر السيرة النبوية، خاصة القديمة منها، والتي تخلص لديه إلى نزع الصورة المثالية عن نشأة الإسلام وشخصية النبي محمد، من خلال الاهتمام بروايات تاريخية تركّز على "عنف" المسلمين، كما يرد في عدد من مؤلّفاته.
أما كتاب "تسريح الأبصار" الذي صدر عن "مركز التراث اللبناني" في الجامعة، فيشتمل على تدوين رحلة موثَّقة قام بها لامنس متنقلاً بين المدن والقرى والجبال اللبنانية، مضمّناً تفاصيلها الجغرافية والتاريخية والأَثرية عبر إلحاقه الرُسوم والخرائط والصُوَر الفوتوغرافية الأَصلية.
يدرس المؤلّف العديد من المواقع الدينية الأثرية في تاريخ لبنان مثل قرية الأخرية المعروفة باسم قبعل، ومعبد بعل مُرَقِّد، وأَورد شروحاً عن طقوس عبادته، إلى جانب استعراضه لتاريخ بيروت القديم وتشكّل المدن على الساحل السوري، وهجرات القبائل الغسّانية إلى لبنان ضمن موجات متتالية، وتاريخ الموارنة وتشكّلهم كطائفة وعلاقتهم بالآراميين السريان، والتغيرات الجيولوجية في تضاريس البلاد خلال آلاف السنين.