لدى إنزال القارب بهدف عرضه في البينالي اجتمع فنانون وقيمون ومشاركون في التنظيم، يراقبون القارب المنتشل وهو يهبط على ميناء أرسنال القديم، بعد أن اشتغل عليه الفنان السويسري الآيسلندي، كريستوف بوشيل محوّلاً إياه إلى عمل فني شاهد على إحدى المآسي الكبرى للقرن الحادي والعشرين.
ينوي الفنان أن يحوّل الفكرة إلى مشروع أضخم بعنوان "حديقة الذكريات"، رغم مواجهة عراقيل قانونية مع السلطات الإيطالية التي كادت أن تمنع دخول القارب، مستندة إلى أنه غير إيطالي انتشل ووُضع في صقلية بهدف استخراج الجثث التي كانت فيه، ووفقاً للقانون الإيطالي يبنغي التخلّص منه، لكن التعقيدات الكثيرة زادت من إصرار الفنان والقيمة ماريا كيارا دي تراباني، فهي في نهاية الأمر ليست إلا الفصل الأخير من طرق معاملة الضحايا بعد موتهم، ويبدو الأمر كما لو أن التخلّص من القارب هو في حدّ ذاته حالة إنكار للعنف الذي تمارسه أوروبا ضد اللاجئين.
في السياق نفسه، يضمّ البينالي أيضاً عملاً للفنان الإيطالي لورنزو كوين، وهو "بناء الجسور" المنحوتة التي تّعرض في حوض أرسينالي الكائن في حيّ كاستيلو في مدينة البندقية، وتتألّف من ستة زواج من الأيادي بعلو 15 متراً وعرض 20 متراً، لتخاطب الوجدان البشري الواحد، وتشدد على جسر الخلافات في كافّة ميادين الحياة، سواء أكانت جغرافية، وفلسفية، وثقافية أو عاطفية.
في المقابل، فإن بينالي البندقية المتواصل حتى 24 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يهتمّ بعدّة أشكال إبداعية؛ فهناك الفن، والسينما، والمسرح، والعمارة، والرقص، والموسيقى، والأرشيف التاريخي.
وتأتي المشاركات العربية في عدة أوجه، نجد فنانين منفردين مثل الموسيقي التجريبي اللبناني طارق عطوي، كما تكاد تكون المشاركة الإماراتية والسعودية منتظمة بأجنحة رسمية، ومن المفارقات أن أمين عام جناح السعودية في 2013 كان الشاعر أشرف فياض، الذي يقضي عقوبة السجن حالياً في المملكة.
مشاركة الإمارات من خلال عمل تركيبي بعنوان "عبور" للشاعرة نجوم الغانم، وهو عمل يعرض قصتين منفصلتين في آنٍ واحد على قناتي فيديو وعلى 12 قناة صوتية، ومدّته 26 دقيقة.
أما تجهيز "بعد توهّم…"، الذي تشارك فيه الفنانة السعودية زهراء الغامدي فيتكوّن من حوالي 50 ألف قطعة، ويستند إلى بيت للشاعر زهير بن أبي سلمى "أم هل عرفت الدار بعد توهم".
اللافت أيضاً أن السعودية تدخل كداعم لبرنامج "مسك" في البينالي، وهو منصّة عالمية للحوار الثقافي العالمي في مجالات الفنون والهندسة المعمارية، بهدف تمكين الفنانين السعوديين من الحصول على مشاركات في المعرض وتدريب أيضاً وربما إقامات فنية.
يبدو أن المملكة تلجأ اليوم إلى "القوة الناعمة"، لتجميل صورتها الاجتماعية والثقافية في عيون العالم، تلك الصورة التي اتضحت معالمها بعد مقتل خاشقجي، واعتقالات الحقوقيات، وهروب السعوديات إلى الغرب بحثاً عن الحرية، فهي اليوم تتمحّك بالفنون وتدعمها بوصفها راعية للإبداع، الذي لا يمكن أن يعيش ويتنفس بلا حريات.