"بيلا تشاو"... تسخيف تراث مقاوِم

30 سبتمبر 2019
المغنية اللبنانية شيراز (يوتيوب)
+ الخط -
اشتهرت أغنية "بيلا تشاو" Bella ciao (وداعاً أيتها الجميلة) كأغنية ثورية من الفلكلور الإيطالي المقاوم للفاشية، إذْ ذاع صيتها في الوطن العربي بشكل كبير، إثر ورودها في مسلسل "بيت من ورق" la casa de papel الإسباني الشهير. وأصبحت لاحقًا، نموذجًا موسيقيًا يبني عليه بعض المشاهير العرب أغانيهم الخاصة، من خلال إعادة إنتاجها بأساليب وطرق جديدة.

من هؤلاء المشاهير، المغنية اللبنانية، شيراز، التي أطلقت، قبل أيَّام، آخر عمل غنائي لها على طريقة الفيديو كليب، حمل عنوان "بيلا تشاو بالعربي" من كلمات جويس عطا الله وتوزيع جان ماري رياشي وإخراج زياد خوري. العمل لا يمتُّ إلى كلمات الأغنية الأصلية بصلة، فكل ما يهم صناع العمل، هو إنتاج عمل تجاري مقتبس عن مسلسل "البروفيسور" من حيث الشكل فقط، أي عملية سطو وملابس وأقنعة موحدة. تطرح كلمات الأغنية قصة حب تدور بين شاب وهو أحد أعضاء الفريق، وفتاة وهي النسخة الثانية من شيراز التي تلعب دورين في الفيديو، أحدهما عضو في عصابة سرقة، والآخر منسق العملية "البروفيسور"، كما لو أنها نسخة شبيهة بقصة الحب الدائرة بين "طوكيو" و"ريو" (أبطال المسلسل الحقيقيين) مع اختلاف بسيط، هو أن طوكيو ليست مدبرة العملية في "لا كاسا دي بابل".


لم يقتصر الأمر على فحوى الكلمات التي اتسمت بالعاطفية والتناقض في موضوعها وعدم ملاءمتها للفيديو كليب فحسب، بل الغريب في الأغنية هو مطلعها، إذْ يستهلُّ الفيديو قصته من خلال تسليط الضوء على المشاركين بالكليب، وهم يحملون لوحات كُتِبَ عليها عدد من العواصم العربية في إشارة لأسمائهم المستعارة كما في المسلسل. وقد يظن كل من يتابع الأغنية أن هناك عملا غنائيا وطنيا سيوجّه القصة الدائرة في الأغنية لاحقًا، وهو ما لم نره طوال فترة الأغنية، إلا إذا كان المقصود بذلك إقحام دلالات تشير إلى الوحدة القومية العربية، ضمن أجواء بوليسية كأفلام الحركة والأكشن، وهو أيضًا ما يتعارض مع أجواء الأغنية التي تحتضنها كلمات رومانسية أقل من عادية، مركبة ضمن مقاطع غنائية غير منسجمة، وتتنافى مع سيناريو القصة حيث السرقة غايته الأساسية، وهو أمر مشين لن يستحبّه الرأي العام العربي، في حال كانت هذه هي غاية الفيديو كليب.


لا بأس في غض الطرف عن شكل الاقتباس وطرق إخراجه، فهي ليست المرة الأولى التي يتم طرح أغنية "بيلا تشاو" بالنسخة العربية، إذْ سبق للفنان المصري، محمد عطيّة، أن طرح فيديو كليب لأغنيته التي حملت نفس العنوان، وقدمها بالطريقة ذاتها التي قدمتها شيراز، ولكن بأسلوب أقلّ تكلفة وبهرجة، رغم تشابه السياق العاطفي بينهما. ولكن تحويل كلمات أغنية عالمية تعد رمزًا للمُقاومة والتحرر إلى شكل هابط بهذا المستوى من الأداء، وتنسف معها معاني الحرية والنضال التي بنيت عليها الأغنية الأصلية، هو أمر في غاية السذاجة. ويزيد سوءًا على ما وصلت إليه نتاجات الموسيقى العربية ومستواها الفني. فحين عرف الإيطاليون طعم الحرية عام 1945، بعد أن قدموا للعالم واحدة من أشهر أغاني المقاومة في العالم، والتي شكَّلت إبان الحرب العالمية الثانية شعارًا وطنيًا، تغنى به اليساريون الطليان أمام صراعهم مع الفاشية، وثورتهم ضد نظام موسليني، لم يكونو يدركون أن لمثل هذه الأغنية تأثيرًا تجاريًا، ستسقط عنها، أمام هذه الإصدارات العربية الهابطة، قيمتها الوطنية والتاريخية. ولكن قد نستثني من هذا التعميم بعض الفنانين والأفراد الذين شرعوا في الاستفادة من القيمة الفنية والوطنية لهذه الأغنية، ونَسَجوا على أساسها أغنيات تصور معاناة شعوب مضطهدة، تناضل لنيل حريتها كما فعلت إحدى المؤسسات الفلسطينية "إنيمون"، بإصدار فيديو مسجل يلقي الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال الصهيوني، ويركز على دور المناضلات الفلسطينيات اللواتي قدمن دماءهن في سبيل القضية الفلسطينية، وهو استخدام صالح وغير تجاري أو ربحي، يجاري معنى الأغنية الأصلية، والتي تقول لازمتها الأساسية: "وداعًا أيتها الجميلة".
دلالات
المساهمون