"بسمة": مأوى هؤلاء المشرّدين

09 يونيو 2016
(في القاهرة، تصوير: سبينسر بلات)
+ الخط -

في الحادية عشرة مساءً، في يوم من أيام عام 2015، كان محمود دُرج، طالب جامعة بكلية الهندسة، يسير في أحد شوارع مدينته الزقازيق بمحافظة الشرقية، وجد مسنًا يفترش الأرض، فتقدم وتعرف إليه، ثم اصطحبه إلى منزله، وبأدوات بسيطة وملابس تخص الأسرة، نفض المسن حياة المشردين، واستعاد رأساً لم تكن تعرف الشمس من فرط ما نما شعرها. من هنا، تبدأ قصة شباب متطوع يحاول أن يرسم "بسمة" وأن يجد مكاناً ليؤوي هؤلاء المشردين.

مرة تلو المرة، يتكرّر الموقف، إلا أن دُرج لم يعد قادراً على السير وحده، لهذا لجأ للأصدقاء والمعارف كي يجد منهم عوناً، والدائرة التي بدأت بواحد صارت تتسع يوماً بعد يوم، بتكوين فريق أطلق على نفسه "بسمة للإيواء"، وصل عدده، حتى اللحظة، إلى أكثر من 60 شاباً وفتاة من المتطوعين، والذين آمنوا بالفكرة الرئيسة، إيواء المشردين، وأطفال الشوارع، ومتركز في ثلاث محافظات أخرى على غرار الشرقية، هي محافظات القاهرة والإسكندرية والفيوم.

في اللحظة التي تضاعف عدد الفريق بها، لم يجدوا بُداً من الجلوس على طاولة المسؤولين في محافظتهم كي يمضي الأمر وفق إطار قانوني، حسب تعبير دُرج، فطرقوا أبواب محافظة الشرقية، ووزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة، أملاً في الحصول على تراخيص تمكنهم من إقامة دار للإيواء تحظى بموافقة رسمية، فتكبر أحلامهم معها وتتوسع، بداية من إيواء المشردين والمسنين، إلى توفير فرص عمل وأخصائي تخاطب ونفسيين، ربما نجحوا في معالجة ما أفسده الدهر.

وفي انتظار التراخيص، لم يدّخر دُرج والذين معه جهداً، حتى بدأت أعين موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تتجه إليهم، وعلى غرار صفحة "أطفال مفقودة" والتي تنجح في إعادة بعض الأطفال إلى ذويهم، نجح الفريق في إعادة مريض نفسي إلى أهله، تحت "هاشتاغ" #يستحقون_الحياة.

يقول دُرج في حديث لـ "جيل العربي الجديد": في منطقة الكوبري الجديد، وجدنا شخصاً في حالة يُرثى لها، بلا طعام أو مأوى أو ملبس نظيف، كالعادة حين رأيناه، اقتربنا منه، وحاولنا التحدث إليه، إلا أنه لم يجب، طرقنا البيوت المحيطة، وسألنا عن ملابس، واستأذنا أحد أصحاب البيوت ليستحم لديه، ثم اصطحبناه إلى صالون حلاقة، وصورناه.

يتابع دُرج: "كان جوعان جداً، وأول ما ابتدى ياكل رد على السؤال"، قال إن اسمه أيمن فتحي عبدالسلام، من الهرم، ولكن ما كان صعباً "ليه وللي زيه، إننا معندناش مكان إقامة".

يضيف: "نشرنا صورته بتعليق عليها "اسمه أيمن عبدالسلام" من الجيزة، من يتعرف عليه يرجى الاتصال على .... وتركنا رقم هاتف، ليصلنا بعد ثلاثة أيام أهله، مبلغين عن أوصافه وموعد تغيبه، مشيرين إلى إصابته بمرض نفسي".

حالة أخرى وجدها الفريق، هي حالة رجل، كلّ الأسئلة التي أجاب عنها هي اسمه الأول فقط محمد. عمال المحطة قالوا للفريق إن من يحاول مساعدته بالنقود يلقيها، ويقولون أيضاً إنه أخبرهم بمجيئه من طنطا، وهو ما تأكده لكنته غير الشرقاوية.

ثاني الحالات التي أحدثت ضجة بحسب دُرج، هي حالة أحمد سيد إبراهيم (77 عاماً) والتي تداول صورها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، عند عثور الفريق عليه. رجل بشعر كثيف وملابس رثة، من بلبيس العادية، تعرفوا إليه، واتبعوا معه الإجراءات، من نظافة وحلاقة، إلا أن مشكلة واجهتهم، وهي إصابة عم أحمد بقدمه، فطلبوا عربة الإسعاف، التي أقلته إلى المستشفى، إلا أن مدير المستشفى بعد يومين، اتصل بالفريق قائلًا: "لقيت تليفونك في ورقة مع المريض وقال إنكم أهله وإنكم هتيجوا تأخدونه".

يتابع: هذا ما لم ينتشر عبر "فيسبوك"، إننا وجدنا عم أحمد وقد ألقي خارج المستشفى التي قال لنا مديرها، "المستشفى مش لوكندا، وهو معندوش حاجة".

عن تكلفة نقل بعض الحالات إلى المستشفيات يقول درج، "احنا فريق تطوعي في النهاية بنتحمل النفقات بشكل شخصي، أو حد بيشوف حالة معانا فبيقرر يتكفل بِها، فالفريق لا يستطيع جمع التبرعات من مواطنين لا يعرفهم، لما يحمله ذلك من مخالفة قانونية".

درج وفريقه يتمنون أن يصبح لفريقهم فروع بكل مصر، ويسدون لمن سيسرون على دربهم نصائح، لا تتلقوا التبرعات بل أجمعوها منكم، وابدأوا بفريق من ستة أفراد ذكور وإناث لسهولة التعامل مع الحالات، وفي ظل النصائح يطبع الفريق "التيشرتات الخاصة به"، والمميِزة أيضاً، ينتظرون معها تراخيص بمنحهم الحق في إنشاء دار لإيواء المشردين.

دلالات
المساهمون