بعد أن تتالى نجاحه في عدة أدوار، من نيلسون مانديلا في "مسيرة الحرية"، إلى حارس أسغارديان والعالم في سلسلة "ثور"، ها هو الممثل البريطاني، من أصول سيراليونية، إدريس إلبا، ينتقل إلى تأدية دور رجل المخابرات في فيلم مثير للانتباه؛ توقيتاً وفكرة.
"الباستيل داي"، إنتاج أميركي/ فرنسي مشترك، من إخراج جيمس واتكينس؛ يشترك فيه إلبا مع ريتشارد مادن في أداء أدواره الرئيسية. الأخير يلعب دور نشّال يجد نفسه من دون قصد في موقف "عدو الأمة". لكنّه في ما بعد يُجبَر على العمل مع رجل المخابرات لكشف مجموعة إرهابية في باريس، أشعلت البلاد ووضعتها على حافة اقتتال داخلي.
يبدأ الأمر بعد أن تقع ناشطة يسارية فريسة استغلال مجموعة إرهابية تريد القيام بتفجيرات في باريس للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبها. لكن الأحداث تكشف أن عناصر في الشرطة الفرنسية، ورئيس جهاز المخابرات الفرنسية نفسه، هم من وراء الحدث.
يستغل هؤلاء مواقع التواصل الاجتماعي، فيشعلونها لتحريك الأحداث نحو حرب داخلية؛ فيلتقطون مشاهد مقصودة من الاعتداءات لاستفزاز الحشود، ثم توجيهها نحو "البنك المركزي" لتنفيذ الهدف الرئيسي لكل هذه الفوضى؛ تحويل نصف مليار يورو إلى الخارج حيث يخططون للتقاعد هناك.
مقولة الفيلم الأساسيّة تقترح أمراً ليس بجديد، وهو أن أحداث الإرهاب في أوروبا قد تكون مفتعلة على يد نخبة لها مصالح سياسية أو مادية. وكالعادة، فإن أصابع الاتهام ستوجّه إلى اللاجئين أو المسلمين، أما أماكن تصنيع القنابل والتخطيط للإرهاب فهي المساجد والمراكز الإسلامية في أوروبا. في حين نرى اليمين المتطرّف جاهزاً دائماً لإلقاء اللوم على الأجانب والتحريض ضدّهم، والدفع بطلبات الطرد والإقصاء.
استدعى الفيلم "المخابرات المركزية الأميركية"، كي يبرّر لماذا يتقدّم أبطال الفيلم على "جهاز الأمن الداخلي الفرنسي" والأجهزة الأوروبية دائماً بخطوة، فلم يكن ممكناً أن يكون من يكشف الأمر جهازاً موازياً أوروبياً للجهاز الفرنسي أو حتى الإنتربول، بل لا بدّ لحفظ ماء الوجه، أن يكون كياناً ضخم الإمكانات مثل "السي آي إيه" الأميركية، وذلك بما لديهم من إمكانية الوصول إلى أجهزة المراقبة ذات التكنولوجيا الفائقة.
عندما يسرق النشال الأميركي مادن حقيبة الناشطة اليسارية زوي، ثم يلقيها في القمامة بعد أن يأخذ منها ما يريد؛ تنفجر القنبلة الموقوتة التي كانت بالحقيبة لتقتل أربعة أفراد، وتلتقط كاميرا للمراقبة وجه النشال ليصبح المُطارد الأول من أجهزة الاستخبارات والأمن بوصفه المفتاح للمجموعات الإرهابية في فرنسا.
كان هدف المجموعة الإرهابية المزعومة هو "الحزب الوطني الفرنسي"، ولكن ضمير الناشطة منعها في آخر لحظة من قتل عمال نظافة في الحزب، والذين يبدو عليهم أنهم من مسلمي فرنسا أو من المهاجرين؛ لتأخذَ الحقيبة للشارع، وتجري الأحداث بشكل مختلف.
يهرب النشّال من ضابط الاستخبارات الأميركي، ثم يمسك به ثانية ويقنعه بالعمل معه بعد أن يقتنع الضابط ببراءة النشال، ثم تنضمّ إليهم، زوي، الناشطة المخدوعة ليعملوا كفريق واحد يحاولون تغيير مجرى الأحداث التي اشتعلت. يركّز الفيلم على مدى تغلغل من خطّطوا للعمل الإرهابي داخل الأمن الفرنسي، وكيف يوفّرون كل إمكانيات الدولة لإنجاح مخططهم الخاص، مهما كانت العواقب على المجتمع الفرنسي كله.
الأشرار في الفيلم ليسوا مجموعة من المتعصّبين دينياً أو المهوسين فكرياً، بل مجموعة أمنية محترفة عالية الإمكانات، تستغل ظاهرة "هاشتاغ" في "السوشال ميديا"، لتوجيه رجالها ومن استطاعت خداعهم نحو الصدام مع الدولة في الأماكن المختارة.
تتابع المشاهد والأحداث يبرهِن على أنّ الفساد المؤسّسي قد وصل إلى قمة الهرم الأمني في فرنسا، وكيف يُستغلّ اليمين المتطرّف في التحرّك الأعمى وإشعال الموقف ليصل إلى غرضه. فليس الأمر مواجهة بين الإرهاب والفاشية، ولكن "التفاح الفاسد" في الشرطة الفرنسية يخطّط للاستفادة من حالة الذعر والاضطراب في الفترة التي تسبق "يوم الباستيل".
لا يتورّع مدير الاستخبارات الفرنسية عن قتل مسؤولة في المخابرات المركزية الأميركية عندما التقت به، وأخبرته أن من وراء التفجيرات هم عناصر فاسدة من الشرطة، حتى إنّها تخشى على الشهود من أن تقتلهم الشرطة لتدفن الموضوع برمته، فيأتي الرد رصاصة تقتلها؛ لأن رأس الجهاز الأمني هو المخطط لكل شيء.
تزامن نزول الفيلم إلى الصالات مع أحداث مدينة نيس الأخيرة، ما أثار استغراباً وشكوكاً وحالة من عدم تصديق من قبل صحافيين ومحللين. من جهتها، قرّرت الشركة الفرنسية المشتركة في الإنتاج سحب كل المواد الترويجية للفيلم.
ووفقاً لمجلة "هوليوود ريبورتر"، فإن شركة "ستوديو كانال" التي أطلقت الفيلم في فرنسا، قرّرت إزالة الملصقات وإعلانات الفيلم. وتقول المجلة إن الشركة كانت تنوي سحب الفيلم بالكامل، ولكنها في النهاية سمحت بعرضه في دور السينما الخاصة، وتركت لهم حرية اتخاذ قرار العرض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أفلام صناعة الإرهاب
تبدو السينما الفرنسية مسكونة بهاجس "العملية الإرهابية". إنها الثيمة المتداولة لعدد كبير من الأفلام الصادرة في السنتين الأخيرتين، وصولاً إلى هذه المصادفة في "باستيل داي"، حين يتناول الفيلم مشروع عملية إرهابية في يوم العيد الوطني الفرنسي، ثم يتجسّد ذلك واقعياً في عملية نيس. حدثت هذه المصادفة في أفلام أميركية سابقاً، فهل تتنبّأ السينما أم أن هناك من يُلقي لها بهذه السيناريوهات من وراء الستار؟
اقــرأ أيضاً