03 نوفمبر 2024
"النهضة" وقصة التنظيم الخاص
مرة أخرى، تجد حركة النهضة في تونس نفسها ملاحقة من خصومها بسبب ملفاتها القديمة التي بقيت مفتوحة، ولم تتعامل معها القيادة بكل شفافية وحزم. وتجلى ذلك بوضوح خلال الأيام الماضية.
لن تترك الجبهة الشعبية "النهضة" مطمئنة، لاعتقادها بأن الأخيرة "اغتالت" كلا من شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ولإثبات ذلك، ستبقى الجبهة تبحث عن أي دليلٍ مهما طال الزمن. وتعهدت هيئة الدفاع عن الشهيدين بالبحث عن الحلقة المفقودة التي تربط بين من نفذ الاغتيال ومن أعطى الأوامر.
أعلنت هذه الهيئة أنها وجدت الحلقة المفقودة، بقولها إن النهضة تملك "تنظيما سريا مكلفا بجمع المعلومات، واختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتنفيذ الاغتيالات السياسية". ولإثبات ذلك، عثرت الهيئة على ملف محاكمة شخصٍ غامض، اسمه مصطفى خذر، الذي عثر لديه، عند اعتقاله، على كمية ضخمة من الوثائق المثيرة، وذكر في أثناء التحقيق معه أنه كان على صلة بقيادات من حركة النهضة، منهم علي لعريض حين كان وزيرا للداخلية، وأمدّهم بمعلوماتٍ سريةٍ عن شخصياتٍ ومؤسساتٍ حسّاسة.
على الرغم من أن هذا الشخص حكم عليه بثماني سنوات في عهد الترويكا بقيادة "النهضة"، إلا أن هيئة الدفاع أصرّت على اعتباره نهضويا، ومكلفا بمهمة، نظرا لمشاركته السابقة في ما سمّيت "المجموعة الأمنية" التابعة لحركة النهضة، والتي كانت تتهيأ للانقلاب على الرئيس بورقيبة، وعندما فوجئت بالجنرال بن علي يسبقها وينتزع السلطة لصالحه، من دون أن تسيل قطرة دم، قرّرت التراجع. وكانت هذه المجموعة تتشكل من عسكريين وأمنيين وجمارك. وهنا ربطت "الجبهة الشعبية" بين اغتيال قادتها واستمرار هذا "التنظيم السرّي" الذي بحسب رؤيتها لم يتم التخلي عنه، وبقي هيكلا موازيا أبقت عليه قيادةٌ تكلفه قيادة النهضة بمهامّ متعدّدة، منها التخلص من خصومها.
لم يكن رد فعل "النهضة" مدروسا بما فيه الكفاية، لأنها بدل أن تضع "الجناح الأمني" الذي كان قائما في سياق تاريخي كان مختلفا عن السياق الراهن، حين كانت الحركة مضطهدة، اندفعت الحركة نحو إنكار وجود هذا الجهاز، وذلك على الرغم من توفر دلائل وشهادات وقرائن عديدة على وجوده منذ فترة طويلة.
المطلوب من "النهضة" أن تؤسس ردها على مسألتين. أولاهما إقناع الرأي العام بأن "الجناح الأمني" قد تم حله نهائيا قبل الثورة، وتحديدا بعد الكشف عنه ومحاكمة أفراده، وأنها التزمت بالتحوّل إلى حزب سياسي. وثانيا الرد على متهميها، وإثبات أن الوثائق التي قدّموها لا تتضمن ما من شأنه إثبات تورّطها في اغتيال الشهيدين.
لا يزال "التاريخ الرسمي للنهضة" انتقائيا، وليس مؤسّسا على نقد ذاتي عميق ومسؤول وموضوعي. لهذا، بقيت الحركة تتعامل مع ملفات عديدة حرجة بقفازات واقية، وتتجنّب الخوض فيها بشكل علني وشفاف. وأن تضع كل ملفٍّ في سياقه، وأن تتحمّل أيضا تبعات أي قضية، مهما كانت شائكة بعيدا عن الخوف والارتجال.
تاريخ حركة النهضة جزء من تاريخ تونس، ولا يحقّ لأي طرفٍ أن يطمسه ويغيّره وفق هواه، فالتاريخ لا يكتبه، في النهاية، المنتصرون من السياسيين أو ذوي المصلحة، وإنما المؤرخون الذين يلتزمون بالمناهج الموضوعية والعلمية. قد يختلفون في تأويل الوقائع، لكن عليهم ألا يختلفوا بشأن صحتها.
على "النهضة" أن تعترف بأنها اخترقت في السابق الجيش والأمن، وأسّست "جناحا خاصا" لم يكن يعرفه إلا عدد قليل من الأشخاص. وأن هذا الاختيار على الرغم من خطورته وتعارضه مع فلسفة الحزب المدني، ومع الاختيار الديمقراطي، وأن ذلك فرضته اعتباراتٌ عديدةٌ، منها السياق التاريخي والدكتاتورية وموازين القوى. كما عليها الاستناد إلى القضاء لإثبات براءتها من الاغتيالات السياسية التي حصلت بعد الثورة.
بدون ذلك، ستضع الحركة نفسها في موقع الشبهة والريبة أمام التونسيين ونخبهم، وكذلك أمام الأطراف الدولية التي لا تزال مطمئنة اليوم ومقتنعة بأن النهضة لا تعتمد في أسلوبها على العنف وعلى الأساليب الانقلابية.
لن تترك الجبهة الشعبية "النهضة" مطمئنة، لاعتقادها بأن الأخيرة "اغتالت" كلا من شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ولإثبات ذلك، ستبقى الجبهة تبحث عن أي دليلٍ مهما طال الزمن. وتعهدت هيئة الدفاع عن الشهيدين بالبحث عن الحلقة المفقودة التي تربط بين من نفذ الاغتيال ومن أعطى الأوامر.
أعلنت هذه الهيئة أنها وجدت الحلقة المفقودة، بقولها إن النهضة تملك "تنظيما سريا مكلفا بجمع المعلومات، واختراق الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتنفيذ الاغتيالات السياسية". ولإثبات ذلك، عثرت الهيئة على ملف محاكمة شخصٍ غامض، اسمه مصطفى خذر، الذي عثر لديه، عند اعتقاله، على كمية ضخمة من الوثائق المثيرة، وذكر في أثناء التحقيق معه أنه كان على صلة بقيادات من حركة النهضة، منهم علي لعريض حين كان وزيرا للداخلية، وأمدّهم بمعلوماتٍ سريةٍ عن شخصياتٍ ومؤسساتٍ حسّاسة.
على الرغم من أن هذا الشخص حكم عليه بثماني سنوات في عهد الترويكا بقيادة "النهضة"، إلا أن هيئة الدفاع أصرّت على اعتباره نهضويا، ومكلفا بمهمة، نظرا لمشاركته السابقة في ما سمّيت "المجموعة الأمنية" التابعة لحركة النهضة، والتي كانت تتهيأ للانقلاب على الرئيس بورقيبة، وعندما فوجئت بالجنرال بن علي يسبقها وينتزع السلطة لصالحه، من دون أن تسيل قطرة دم، قرّرت التراجع. وكانت هذه المجموعة تتشكل من عسكريين وأمنيين وجمارك. وهنا ربطت "الجبهة الشعبية" بين اغتيال قادتها واستمرار هذا "التنظيم السرّي" الذي بحسب رؤيتها لم يتم التخلي عنه، وبقي هيكلا موازيا أبقت عليه قيادةٌ تكلفه قيادة النهضة بمهامّ متعدّدة، منها التخلص من خصومها.
لم يكن رد فعل "النهضة" مدروسا بما فيه الكفاية، لأنها بدل أن تضع "الجناح الأمني" الذي كان قائما في سياق تاريخي كان مختلفا عن السياق الراهن، حين كانت الحركة مضطهدة، اندفعت الحركة نحو إنكار وجود هذا الجهاز، وذلك على الرغم من توفر دلائل وشهادات وقرائن عديدة على وجوده منذ فترة طويلة.
المطلوب من "النهضة" أن تؤسس ردها على مسألتين. أولاهما إقناع الرأي العام بأن "الجناح الأمني" قد تم حله نهائيا قبل الثورة، وتحديدا بعد الكشف عنه ومحاكمة أفراده، وأنها التزمت بالتحوّل إلى حزب سياسي. وثانيا الرد على متهميها، وإثبات أن الوثائق التي قدّموها لا تتضمن ما من شأنه إثبات تورّطها في اغتيال الشهيدين.
لا يزال "التاريخ الرسمي للنهضة" انتقائيا، وليس مؤسّسا على نقد ذاتي عميق ومسؤول وموضوعي. لهذا، بقيت الحركة تتعامل مع ملفات عديدة حرجة بقفازات واقية، وتتجنّب الخوض فيها بشكل علني وشفاف. وأن تضع كل ملفٍّ في سياقه، وأن تتحمّل أيضا تبعات أي قضية، مهما كانت شائكة بعيدا عن الخوف والارتجال.
تاريخ حركة النهضة جزء من تاريخ تونس، ولا يحقّ لأي طرفٍ أن يطمسه ويغيّره وفق هواه، فالتاريخ لا يكتبه، في النهاية، المنتصرون من السياسيين أو ذوي المصلحة، وإنما المؤرخون الذين يلتزمون بالمناهج الموضوعية والعلمية. قد يختلفون في تأويل الوقائع، لكن عليهم ألا يختلفوا بشأن صحتها.
على "النهضة" أن تعترف بأنها اخترقت في السابق الجيش والأمن، وأسّست "جناحا خاصا" لم يكن يعرفه إلا عدد قليل من الأشخاص. وأن هذا الاختيار على الرغم من خطورته وتعارضه مع فلسفة الحزب المدني، ومع الاختيار الديمقراطي، وأن ذلك فرضته اعتباراتٌ عديدةٌ، منها السياق التاريخي والدكتاتورية وموازين القوى. كما عليها الاستناد إلى القضاء لإثبات براءتها من الاغتيالات السياسية التي حصلت بعد الثورة.
بدون ذلك، ستضع الحركة نفسها في موقع الشبهة والريبة أمام التونسيين ونخبهم، وكذلك أمام الأطراف الدولية التي لا تزال مطمئنة اليوم ومقتنعة بأن النهضة لا تعتمد في أسلوبها على العنف وعلى الأساليب الانقلابية.