تنعقد الدورة الـ20 لـ"المهرجان الوطني للفيلم" في مدينة طنجة (المغرب)، بين الأول والتاسع من مارس/ آذار 2019. مهرجان سنوي معنيّ بعرض الأفلام المغربية الجديدة، في مسابقتين متخصّصتين بالفيلمين الطويل والقصير. تترأّس المغربية فريدة بليزيد لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، المؤلّفة من الإيطالية تيريزا كافينا والفرنسية ليلى بلوم والسورية ليان الشواف والمصري يسري نصرالله والمغربيَّين نور الدين لخماري ورضا بنجلون. كما يرأس المغربي أحمد بولان لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة، المؤلّفة من المصريين علياء زكي وأندرو محسن والمغربيين عايدة بن الخدير وعادل الفاضلي.
الملاحظ أنه بعد لجنة تحكيم محلية في دورة عام 2017، ولجنة تحكيم دولية في الدورة التالية لها، تشكّلت لجنة تحكيم محلية دولية في وقت واحد، في دورة عام 2019. هذه علامة تفاعل "المركز السينمائي المغربي" مع الاحتجاجات السابقة.
تضمّ المسابقة الأولى (الطويلة) 15 فيلمًا روائيًا، اختارتها لجنة ترأسها عمر بلخمار، رئيس "الجمعية المغربية لنقّاد السينما"؛ وتضمّ المسابقة الثانية (القصيرة) 15 فيلمًا، اختارتها لجنة ترأسها محمد مفتكر.
انطلق "المهرجان الوطني للفيلم" عام 1982. نُظِّمتْ 10 دورات له بين عامي 1982 و2008، في مدن مغربية عديدة. منذ عام 2010، بات المهرجان سنويًا، ويُقام في طنجة. قبل 5 دورات، كانت الأفلام المُقدَّمة تشارك كلّها في المسابقة الرسمية. لكن، منذ عام 2014، صار عدد الأفلام الطويلة، التي ينتجها المغرب، يزيد عن 20 فيلمًا، ويصعب عرضها كلّها في المسابقة الرسمية. لذا، تغيّر قانون المهرجان لصالح انتقاء الأجود.
الأفلام الطويلة المختارة لهذه الدورة هي: "عاشوراء" لطلال السلهامي، و"هلا مدريد، فيسكا بارصا" لعبد الإله الجوهري، و"أنديكو" لسلمى بركاش، و"جمال عفينة" لياسين ماركو ماروكو، و"مباركة" لمحمد زين الدين، و"الميمات الثلاث، قصة ناقصة" لسعد الشرايبي، و"دقات القدر" لمحمد اليونسي، و"مواسم العطش" لحميد الزوغي، و"نذيرة" لكمال كمال، و"صوفيا" لمريم بنمبارك، و"الانتفاضة الأخيرة" لجيلالي فرحاتي، و"سنة عند الفرنسيين" لعبد الفتاح الروم، و"طفح الكيل" لمحسن البصري، والوثائقيان "حياة مجاورة للموت" لمجيد لحسن، و"نبض الأبطال" لهند بنصاري.
أما الأفلام القصيرة المختارة للدورة نفسها، فهي: "قلق" لعلي بنجلون، و"مرشحون للانتحار" لحمزة عاطفي، و"فلاش باك" للخضر الحمداوي، و"الزنزانة" لربيع الجوهري، و"الشانطي" لمحمد أوماعي، و"أغنية البجعة" ليزيد القاديري، و"الفولار" لشاكر أشهبار، و"أبناء الرمال" للغالي كريميش، و"الدم الأبيض" لبوبكر رفيق، وMks 86 لإدريس الروخ، و"سفسطة" لعبدو المسناوي، و"يوم ما" لرشيد زكي، و"حياة الأميرة" لفيصل الحليمي، و"ورق" لعبد الكبير ركاكنة، و"ياسمينة" لعلي الصميلي وكلير كاهن.
بعض هذه الأفلام معروض في مهرجانات خارج المغرب، وبعضها الآخر سيكون حدّه الأقصى طنجة، ولن يعبر صيته مضيق جبل طارق. لن يعرض المهرجان 14 فيلمًا في المسابقة الرسمية، ما أثار غضب البعض، فنُشرت تعليقات فيسبوكية تزعم أن هناك تحكّمًا للشللية في الاختيارات. الشللية عصبة أصدقاء حلفاء، ذوي ميول ومصالح واحدة.
ستحفر الأفلام الحقيقية مسارها، رغم داء الشللية هذا، إن وُجد. الأفلام الضعيفة ستخرج من المشهد بصمت، حتّى لو "طبّل" لها الحلفاء. يبدو أن على كلّ مخرج ـ أنجز فيلمين لم يُعرضا في مهرجانات ولم يصمدا طويلاً في صالات السينما ـ أن يبحث عن حرفة أخرى.
في هذه الأيام، والمغرب غارق في مهاترات سياسية منهكة، يأتي المهرجان كفسحةٍ للتنبّه إلى نبض المجتمع سينمائيًا. الأمل معقود على تناول النقد السينمائي هذه الأفلام كلّها بالتحليل والنقاش، فالأهمّ كامنٌ في ضرورة عدم مرورها بصمت.
خلال عام 2018، أنتج المغرب 29 فيلمًا طويلاً، بفضل نظام التمويل المتّبع. مع مرور الوقت، صارت السينما في قلب المشهد الثقافي المغربي. حين تولّى السوسيولوجي والوزير السابق الدكتور عبد الله ساعف رئاسة لجنة تحكيم الأفلام الطويلة للمهرجان، عام 2014، قال وهو يتأمّل الصالة المكتظّة: "لم أدرك أهمية هذا المهرجان إلّا في الأعوام الثلاثة الأخيرة. هذه علامة تحوّل موقع السينما في المشهد العام للثقافة الوطنية. غدا المهرجان محطة مركزية في المشهد الثقافي".
في سياق هذا التحول، سجّل تقرير "التنمية البشرية العربية" (الصادر عام 2003) وجود إمكانيات بشرية مؤهلة وحرفية لتنشيط المجال السينمائي في العالم العربي، لكن الإنتاج السينمائي غير موجود، أو نادر في بعض الدول العربية. سجّل التقرير أيضًا أن في مصر وحدها يوجد إنتاج سينمائي فعلي، مُضيفًا أن دولاً عربية (العراق وسورية والجزائر ومصر) قامت بمبادرات مهمة في ستينيات القرن الماضي لدعم الإنتاج السينمائي، لكنها لم تملك سياسة ثقافية محدّدة، فتراجع إنتاجها في ثمانينيات القرن الماضي، بسبب أزمات اقتصادية وتحدّيات أمنية. حاليًا، الوضع في العالم العربي أسوأ ممّا كان عليه عام 2003. هناك دول بكاملها تفكّكت الآن.
في الحالة المغربية، اعتبر التقرير "أن السينما في المغرب نمت وحقّقت حضورًا عالميًا، نتيجة الدعم الذي تلقّته من مؤسّسات غربية". الحقيقة أن الدولة المغربية تموّل حاليًا الفن، كي لا يموّله الأجانب، ويصير الفيلم المغربي تعبيرًا مستعارًا عن الذات والهوية. عام 2019، زادت الدولة من ميزانية تمويل الأفلام، لأن السينما فنّ حداثي، موجّه إلى مجتمع مفتوح. مع الزمن، سيرفع التراكم الفني والاستقرار السياسي واستمرارية مشروع التمويل من مستوى الإبداع. لذا، هناك تمنّ بمشاهدة أفلام في الدورة الـ20 هذه لـ"المهرجان الوطني للفيلم"، تتميّز بلغة سينمائية أكبر، و"فلاشباكات" أقلّ، وحوارات أقصر وأكثر، من دون دعاء ومَسكنة.