"المناصحة" في السجون الأردنية: إصلاح أم هدم للذات؟

04 اغسطس 2016
مسؤول: الحكومة جادة في تطبيق برامج الإصلاح والتأهيل للمعتقلين(Getty)
+ الخط -
عبارة افتراضية، كانت كفيلة بأن تلقي بالشاب الأردني (أ.ن) خلف قضبان السجن عامين كاملين، زرعت في قلبه، كما يقول، الإحباط واليأس من كل معاني الحياة.

الشاب، الذي اعتقل على خلفية نشره عبارة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، والتي أبدى فيها تعاطفا مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لم يقو على نسيان الكثير من الآثار المتراكمة في نفسه جراء الاعتقال.


أما المحاولات التي بذلت لإخراجه من حالة الاكتئاب التي عانى منها عقب خروجه من المعتقل، فلم تفلح بذلك، يقول والده إن علامات الحزن لم تعد تفارق تقاسيم وجهه، وظلال شعوره الدائم بالسوداوية باتت مخيمة عليه، إضافة إلى انقطاعه عن ممارسة اهتماماته ونشاطاته السابقة تماما.

هذا الشاب، هو من بين عدد قليل ممن تم الإفراج عنهم مؤخرا في الأردن، بعد أن خضع لبرنامج حوار وتأهيل من يطلق عليهم "التكفيريين" القابعين في مراكز الإصلاح والتأهيل، وذلك بعد إطلاق الخطة الوطنية للدولة، لمكافحة ما يسمى بـ"التطرف".

ويتضمن هذا البرنامج فتح الحوار مع الفئات التي تحمل أفكار "التطرف والإرهاب" في مراكز الإصلاح، باعتبار أنه حان الوقت لمحاصرة واجتثاث هذا الفكر من جذوره، وفق ما أكده مصدر مسؤول أردني.

ويقدر المسؤول، والذي فضل عدم ذكر اسمه لـ"جيل العربي الجديد"، عدد الذين استجابوا لمثل هذا البرنامج، بنحو 50 معتقلا بتهمة التعاطف مع التنظيمات "الإرهابية"، خمسة منهم تم الإفراج عنهم بعد أن تم تخفيف عقوبتهم من 5 سنوات إلى سنتين، ومن ثم خضوعهم لـ"المناصحة الفكرية والتوعوية"، واقتناعهم بخطورة أفكار الجماعات "التكفيرية"، والعودة إلى "جادة الصواب"، على حد وصفه.

إلا أن الشاب (أ.ب)، الذي خضع لبرنامج "إصلاح التكفيريين"، يؤكد أن القائمين على البرنامج لم يزوروه إلا مرة واحدة، واصفا إياها بـ"الخجولة"، وقد تمت من قبل "شيخ" من دائرة الإفتاء العام لبضعة دقائق فقط، والذي "لم يقدم شيئا يذكر".

الغالبية العظمى من المعتقلين، يؤكد (أ.ب)، لم يقم بزيارتهم أحد قط، بل إن الذين تمت زيارتهم يعرفون أكثر من الذين قابلوهم، مخاطر ما يسمى "الإرهاب"، وحرمة دماء الناس، حتى إن التهمة التي ألصقت بهم، وهي تهمة التعاطف مع التنظيمات الإرهابية "داعش" والترويج لها، هم أنفسهم يقولون إنهم ضد هذا التنظيم وفكره.

ويبدو أن سياسة "المناصحة"، والتي تنفذها الأجهزة الامنية المختلفة، بالتعاون والتنسيق مع دائرتي الإفتاء وقاضي القضاة، إضافة إلى وزارة الأوقاف، في مراكز التوقيف والسجون، أخفقت بدورها في تحقيق نتائج فعالة، وما حصل في عمليتي "خلية اربد" ومكتب دائرة مخابرات البقعة أخيرا، أقرب دليل على ذلك، علما أن منفذيها الأساسيين كانوا عائدين من القتال في سورية، ومعتقلين لدى الأجهزة الأمنية، بحسب محامي الجماعات الإسلامية عبد القادر الخطيب.

ويروي الخطيب عن معتقلين قابلهم، متهمين بالتعاطف مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية، عن قيام رجال التحقيق بمطالبتهم، بالتوقيع على إفاداتهم، التي لم يروا شيئا منها، وهي بالأصل اعتراف كامل بأنهم يقرون بتأييدهم لهذه التنظيمات، ويعملون على الترويج لها، رغم أنها لم تتل عليه ولم يقرأوها، متسائلا عن الإصلاح والمناصحة التي تدعيها الحكومة في مثل هذه التصرفات؟

ويشير إلى أن عدد الذين تم اعتقالهم على خلفية في مثل هذه الاتهامات، تقدر بنحو 500 شاب، تم تحويلهم إلى محكمة أمن الدولة على خلفية منشورات لهم عبر شبكة الإنترنت، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، استنادا إلى قانون منع الإرهاب الجديد، إذ اعتبرت تلك المشاركات متعاطفة مع تنظيم "داعش".

القيادي في التيار السلفي الجهادي في الأردن، محمد الشلبي المعروف بـ"أبي سياف"، يؤكد بدوره لـ"جيل العربي الجديد" أن الدولة الأردنية باشرت بالفعل منذ فترة طويلة مثل هذه البرامج، إلا أنه يشير في ذات الوقت إلى أنها لم تؤد إلى أي نتائج إيجابية تذكر، لا بالنسبة لأبناء التيار، ولا للأهداف القائمة من جانب الحكومة، المتمثلة بتوعية الناس والشباب تحديدا، بخطر الإرهاب والتطرف.

من جانبه، يرى مدير مديرية مكافحة العنف والتطرف في وزارة الداخلية الأردنية شريف العمري، أن الحكومة جادة في تطبيق برامج الإصلاح والتأهيل بالنسبة للمعتقلين، وتحديدا المتهمين بقضايا إرهاب، مشددا على أن الجهات المعنية ستعمل على تطبيق برامج جديدة فيما يتعلق بهذا الجانب، تشمل تطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف، والتي أقرت مؤخرا اعتبارا من مطلع العام المقبل، إلا أنه يقر بوجود بعض المعيقات، دون ذكرها، والتي حالت حتى اللحظة، دون تحقيق كافة الأهداف الموضوعة.

الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، يلفت إلى أن الحكومة الأردنية وأجهزتها، تعمل بشكل أو بآخر على تأجيج الشعور المعادي في نفوس المعتقلين، وتزرع في قلوبهم الحقد، مرجحا أن يشكل هؤلاء الشباب بعد خروجهم من السجن، خلايا إرهابية مع "إخوانهم وأنصارهم".

وتقتصر الدولة الأردنية، في التعامل مع أنصار التيار السلفي الذين يؤيدون أفكار هذه الجماعات، بحسب أبو هنية، إلى المقاربة الأمنية المباشرة، مدللا على ذلك باعتقال العائدين من ساحات القتال في سورية مباشرة.

حقوقيا، يرى ناشطون أن الدولة استجابت لحالة المناخ العام في الداخل والخارج، مستغلة قضية "محاربة الإرهاب"، بهدف التضييق أكثر على الحريات العامة، لا سيما حرية التعبير في المملكة.

عاصم الربابعة، مدير مركز "عدالة" المختص بحقوق الإنسان في الأردن، يعتقد أن حالة التضييق، وتكميم الأفواه، ازدادت خلال السنوات الأخيرة في المملكة، وتحديدا مع ركود "الربيع العربي".

"ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتعداه إلى إثبات حالات تعذيب في السجون الأردنية، حيث تم تسجيل أكثر من 10 حالات وفاة تحت التعذيب، فيما لم تجر الجهات المعنية أي تحقيق مستقل فيها"، وفق الربابعة.

وفي هذا السياق، يقول المحامي عبد الكريم الشريدة، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب، إن التعديلات التي تمت مؤخرا على قانون "منع الإرهاب" في المملكة، كانت تهدف لتقويض الحريات والتضييق على الحقوق الدستورية للمواطنين بما فيها حرية التعبير.

ويخلص الربابعة إلى القول بأن الحريات العامة في الأردن لم يعد لها قيمة فعليا، في ظل مكافحة ما يسمى "الإرهاب والتطرف"، ولم تعد قضية حقوق الإنسان ذات أولوية بالنسبة للسياسة الأردنية، وتشكل مواصلة اعتقال ما بين 10 و20 من الصحفيين أوضح دليل على ذلك.

وتجدر الإشارة أخيرا، إلى أن عدد الأردنيين المقاتلين في سورية إلى جانب الفصائل المسلحة، التي تقاتل ضد الجيش السوري النظامي منذ اكثر من ثلاثة أعوام، بحسب بعض الإحصائيات يصل إلى زهاء 3000 آلاف أردني،
المساهمون