يجمع كتاب "المسؤولية والحكم" الكتابات غير المنشورة من العقد الأخير من حياة المفكرة الألمانية حنة أرنت (1906-1975)، والتي تتناول الأسئلة والمخاوف الأساسية بشأن طبيعة الشر واتخاذ الخيارات الأخلاقية. تقيم صاحبة "أصول الشمولية" في الكتاب تحقيقاً أخلاقياً عميقاً، وتدرس بعض أسئلة الفلسفة الأخلاقية.
في الكتاب الذي تصدر ترجمته قريباً عن دار "الجمل"، بترجمة معز مديوني، تواجه أرنت عدم كفاية "الحقائق" الأخلاقية التقليدية كمعايير للحكم على ما يمكننا القيام به، وتدرس مجددًا قدرتنا على تمييز الخير من الشر والصواب من الخطأ.
في مقالات الكتاب تكشف صاحبة "في الثورة" كيف أدركت أنه إلى جانب الشر الجذري الذي تناولته في التحليلات السابقة للشمولية، يوجد شر أكثر ضررًا، مستقل عن الأيديولوجية السياسية، يمارس بلا توقف عندما لا يشعر الجاني بالندم ويمكن أن ينسى أفعاله بمجرد أن يرتكبها.
"المسؤولية والحكم" هو تحقيق أساسي في بعض أكثر القضايا إثارة للقلق والأكثر أهمية في عصرنا، ويقول عنه الناشر في كلمة الغلاف "إذا كانت الحرية الإنسانية، كما اعتقدت أرنت، هي علّة وجود السياسة وإذا كانت تجارب الحرية لا تبدو واضحة إلا على مستوى الفعل، وهو ما اعتقدته بالفعل بصرف النظر عن كانط، فإنها أشارت في تمييزها بين الفكر والفعل إلى شكلين من الفعل يختلفان بشكل ماهوي عن بعضهما البعض".
ويضيف "إن التفكير هو انعكاس ذاتي، في حين أن الفاعل لا يمكن أن يفعل إلا بمعية الآخرين وليس بمفرده، وإن فعل التفكير الذي يحدث في حالة التوحد يتوقف في اللحظة التي يبدأ فيها مفكر في الفعل، تماماً مثلما أن نشاط الفعل الذي يستوجب مصاحبة الآخرين يتوقف حين يبدأ الفاعل في التفكير بمفرده".
في مقال تضمنه الكتاب بعنوان "المسؤولية الشخصية تحت الدكتاتورية" تذكر أرنت كيف أثار كتابها "أيخمان في القدس" الجدل في "جميع أنواع القضايا الأخلاقية البحتة، والتي لم يخطر ببالي الكثير منها مطلقًا، بينما لم أذكر البعض الآخر إلا بشكل عابر. كنت قد قدمت سردًا وقائعيًا للمحاكمة، وحتى العنوان الفرعي للكتاب؛ تقرير عن تفاهة الشر، بدا لي مدعومًا بشكل صارخ من خلال وقائع القضية لدرجة أنني شعرت أنها لا تحتاج إلى مزيد من التوضيح. كنت قد أشرت إلى حقيقة شعرت أنها صادمة لأنها تتعارض مع نظرياتنا المتعلقة بالشر، وبالتالي إلى شيء حقيقي ولكن غير معقول".
تدرس مجددًا قدرتنا على تمييز الخير من الشر
وتضيف "لقد اعتبرت بطريقة ما أنه من المسلم به أننا جميعًا ما زلنا نعتقد مع سقراط أنه من الأفضل أن نعاني من أن نخطئ. تبين أن هذا الاعتقاد كان خطأ. كان هناك اقتناع واسع النطاق بأنه من المستحيل مقاومة الإغواء من أي نوع،... أن الإغواء والإجبار هما نفس الشيء تقريبًا، بينما على حد تعبير ماري مكارثي، التي اكتشفت هذه المغالطة لأول مرة: "إذا وجه شخص ما مسدسًا نحوك وقال، 'اقتل صديقك أو سأقتلك'، فهو يغويك، هذا كل شيء". وفي حين أن الإغراء الذي تتعرض فيه حياة المرء للخطر قد يكون عذرًا قانونيًا لارتكاب جريمة، فإنه بالتأكيد ليس مبررًا أخلاقيًا".
تأتي مقالات الكتاب في جزئين؛ الأول بعنوان "المسؤولية" ويتضمن إلى جانب المقال المذكور "بعض الأسئلة عن الفلسفة الأخلاقية"، و"المسؤولية الجمعية"، و"التفكير والاعتبارات الأخلاقية". أما الجزء الثاني فهو بعنوان "الحكم" ويتضمن مقالات "تأملات على صخرة صغيرة"، و"النائب: مذنب بالصمت"، و"محاكمة أوشفيتز"، و"وطن للإقامة".