دفعت أزمة السيولة التي يمر بها القطاع المصرفي في الجزائر، البنك المركزي، إلى استنفار المصارف العاملة في الدولة، من أجل استقطاب الأموال المتداولة في الأسواق، وتعزيز ادخار المواطنين في البنوك.
ففي تعليمات وجهها محافظ بنك الجزائر، محمد لوكال، للبنوك العمومية والخاصة، طالب فيها المؤسسات المالية بـ "التجند، وبشكل حازم، بهدف استقطاب السيولة النقدية المتراكمة خارج القنوات البنكية الرسمية وتوجيهها نحو أهداف تمويل الاقتصاد وتنويعه، وذلك عن طريق طرح منتجات بنكية جديدة".
كما طالب لوكال، في التعليمات التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، البنوك، برفع حجم احتياطي المصارف النقدي من 8% إلى 12%، بدءاً من 20 فبراير/شباط الحالي".
وتعد هذه المرة الثالثة التي يقرر فيها المصرف المركزي الجزائري التدخل لتعديل سقف احتياطي المصارف العمومية والخاصة خلال 18 شهراً، بهدف توفير السيولة المطلوبة داخل القنوات الرسمية، أي البنوك، حيث سبق وأن أمر، في أغسطس/آب 2017، البنوك بتخفيض احتياطي المصارف من 8% إلى 4% لضخ سيولة أكبر في الأسواق المالية، بينما أعاد رفعها مرة أخرى إلى 8% في سبتمبر/أيلول 2018.
وقال فرحات علي، الخبير المالي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن المركزي الجزائري يتحرك تحت ضغط نقص السيولة، مشيرا إلى أن حجم السيولة المتداولة في البنوك بلغ، نهاية العام الماضي، قرابة 25 مليار دولار، أي نصف ما يتم تداوله في الاقتصاد الموازي، والذي يتراوح حجمه بين 40 و50 مليار دولار.
وأضاف أنه بالرغم من توجه الحكومة إلى التمويل غير التقليدي في نهاية 2017، والذي سمح لها بطبع الأموال، فإن مشكلة السيولة المالية لا تزال قائمة، لأن تلك الأموال وجهت على شكل سندات دين عام من البنك المركزي إلى الخزينة العمومية، وبالتالي لا يمكن الحديث عن ضخ كتل نقدية جديدة في شريان البنوك".
ويعمل في الجزائر 29 مؤسسة مصرفية، منها 7 بنوك عمومية (حكومية)، وأكثر من 20 بنكاً أجنبياً من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية، وواحد بريطاني.
وبلغ حجم الأموال التي طبعها البنك المركزي الجزائري من العملة المحلية ما يعادل 50 مليار دولار، منها 40 مليارا تم إقراضها للخزينة العمومية لسد عجزها الذي بلغ 31 مليار دولار.
وتأتي هذه الأرقام عكس تعهدات الحكومة، العام قبل الماضي، حيث وضعت حكومة أحمد أويحيي، خطة وصادق عليها البرلمان، يقوم بمقتضاها البنك المركزي بطباعة ما يعادل 11 مليار دولار سنويا من الدينار الجزائري، على مدار 5 سنوات، يقرضها البنك للخزينة العمومية، على أن تُسدد الديون مستقبلا عند انتعاش أسعار النفط.
ويرى خبراء مصرفيون أن المحاولات السابقة من قبل البنك المركزي لامتصاص الأموال المتداولة في القنوات غير الرسمية أو ما وصفوها بـ "النائمة" في منازل الجزائريين، لم تحقق الأهداف المرجوة.
ويقول سليمان ناصر ياحي، الخبير المصرفي، إن "الجديد هذه المرة هو إعطاء البنك المركزي، الحرية للبنوك في طرح مبادرات لجلب أموال المدخرين والناشطين في الأسواق الموازية، إلا أن الإشكال الأبرز يتمثل في ارتفاع التضخم الذي يتراوح بين 6.5% و7.5%.
ويوضح أن "البنوك مطالبة بتقديم نسب فائدة فوق نسب التضخم، إذا أرادت ضمان محاولتها لجذب السيولة المالية، وإلا ستفشل كما فشلت القروض السندية التي أطلقتها الحكومة قبل عامين، في أكبر عملية استدانة داخلية لم يكتب لها النجاح".
وسبق للسلطات الجزائرية أن أطلقت، في إبريل/نيسان 2016، عملية اقتراض داخلية في شكل سندات خزانة، بنسب فوائد فاقت 5%، بهدف استقطاب الأموال المتداولة في الاقتصاد الموازي، لكن الغالبية من الجزائريين تجنبت العملية بسبب الفوائد، وبلغ حجم الشراء قرابة 5 مليارات دولار فقط، في حين كانت الحكومة تسعى إلى جمع قرابة 27 مليار دولار على الأقل.
ويضيف الخبير المصرفي أن "الجزائريين لا يثقون في البنوك بسبب رداءة الخدمات وقدم المنظومة البنكية من جهة، كما لا يثقون في الدينار الذي فقد ثلث قيمته مؤخرا، إذ يفضل المواطنون شراء العملة الصعبة من دولار ويورو، بدلا من الاحتفاظ بكتل نقدية من العملة المحلية تفقد كل يوم شيئا من قيمتها".
وخسر الدينار الجزائري نحو 42.5% من قيمته منذ بداية 2014، بسبب انتهاج الجزائر سياسة "تعويم العملة الموجه" لكبح فاتورة واردات البلاد، حيث أصبح سعر الدولار الواحد حوالي 114 دينارا، بعدما كان لا يتعدى عتبة 80 ديناراً.