"المجلات الثقافية": النوستالجيا والاحتياج

22 يناير 2018
(غلاف مجلة البرق من تصميم علي رضا، 1930)
+ الخط -

طالما استدعى الحديث عن واقع المجلات الثقافية وما تواجهه من تحدّيات في مختلف الدول العربية، حالة من النوستالجيا للحظات تاريخية فارقة خلال القرن العشرين، لعبت فيها المجلات الثقافية دوراً فعالاً، ليس على المستوى الثقافي فقط، ولكن على المستوى الاجتماعي والسياسي أيضًا. إلا أن هذه الحالة من الحنين تبقى عاجزة عن مواجهة أزمات الواقع المعاش، فضلاً عن طرح رؤى للمستقبل وكيف يمكن أن تواكب المجلات الثقافية التطوّر التكنولوجي وما ينتج عنه من تغيّرات في ثقافة وحياة القرّاء.

في ندوة "هل انتهى عصر المجلات الثقافية؟" الأربعاء الماضي، حظي سؤالا الواقع والمستقبل بمساحة كبيرة من النقاش والحوار، في محاولة لطرح أفكار ورؤى قادرة على تفسير ومواجهة الواقع المتغيّر ومحاولة استشراف المستقبل.

الندوة التي أقيمت في "مكتبة القاهرة الكبرى"، وتزامنت مع إطلاق العدد الثالث من مطبوعة "مرايا" الثقافية والفكرية، شارك فيها كل من الكاتبة والصحافية عبلة الرويني رئيسة التحرير السابقة لجريدة "أخبار الأدب"، والكاتب خالد الخميسي، والباحث والصحافي تامر وجيه، وأدارها الباحث مصطفى عبد الظاهر.


اقتصاديات الثقافة

ركّز خالد الخميسي في مداخلته على اقتصاديات العمل الثقافي، موضحًا أن الدورة المالية للمجلات الثقافية في بدايات القرن العشرين، كانت معتمدة على أن القارئ هو من يدفع التكلفة من خلال شراء المجلات، لكن مع ثورة تموز/ يوليو 1952 أصبحت الدولة تتحمل التكلفة، وتتحكم بالتالي في توجّهات المجلات. وأضاف: "دولة مثل مصر لا يستطيع القراء الآن تحمل تكلفة شراء مجلة ثقافية بسعر تكلفتها الحقيقي، وفي ظل مزيد من القيود والرقابة، لم تعد المجلات تقدّم محتوى جاذباً وانهارت أرقام توزيعها".

أشار الخميسي أيضًا إلى تحدٍ آخر تواجهه المجلات الثقافية، يتعلق بطبيعة الجمهور وطبيعة العصر في ظل التطوّر التكنولوجي، وكم المعلومات المهول الذي يتلقاه الجمهور من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت، وأكمل: "رغم كل هذه التحديات والمتغيرات إلا أنه ما زال هناك فرصة لبقاء واستمرار المجلات الثقافية، في ظل حاجة الجمهور لمطبوعات متخصّصة تقدّم معلومات أكثر تأصيلًا ومحتوى معرفياً مميزاً".

وأكّد الخميسي على أن كثيراً من المجلات الثقافية الأوروبية، صارت تعتمد على منظومة الاشتراكات لتغطية جزء كبير من نفقاتها، موضحاً أن المجلات المستقلة تحتاج للبحث عن طرق وبدائل مبتكرة للتمويل، بالإضافة إلى التوجه للأجيال الشابة ومستخدمي الإنترنت، أما المجلّات الحكومية فسيطرة الدولة تدفعها للتلاشي، في ظل عزوف القرّاء عنها.


الحرية والاستقلالية

من جانبها تحدّثت عبلة الرويني عن وجود تحدٍ كبير تواجهه المجلات الثقافية والفكرية، تحدٍ متعلق بسؤالي الحرية والاستقلالية، وهما الشرطان الأساسيان من وجهة نظرها لنجاح أي مطبوعة أو نشاط ثقافي، موضحة أن أزمة كثير من المجلات والأنشطة الثقافية المستقلة، تكمن في أنها تبدأ بمعارضة السلطة ورفض تلقي أي دعم حكومي، ثم ينتهي بها المطاف بالصراع للحصول على الدعم والتمويل سواء الحكومي أو الخاص، مما يفقدها جزءاً كبيراً من حريتها واستقلاليتها.

عبلة الرويني التي تم اختيارها من قبل محرّري جريدة "أخبار الأدب"، لمنصب رئيسة التحريرعقب ثورة 25 يناير 2011 في ممارسة ديمقراطية نادرة الحدوث في الجرائد والمجلات المصرية، أشارت إلى أن ثورة يناير منحت في حينها مساحة كبيرة من الحرية والاستقلالية، وصنعت سياقاً وبيئة محفّزة للعمل الثقافي، و"خلال هذه الفترة تضاعف توزيع "أخبار الأدب" رغم الإمكانية المادية الضعيفة، وانعكاسها على جودة الطباعة، إلا أن القرّاء كانوا حريصين على شراء الجريدة لتوافر شرطي الحرية والاستقلالية".


الانتقال إلى الفضاء الرقمي

أما الباحث تامر وجيه فأكد على أن الأزمة التي تعيشها المجلات الثقافية لا تقتصر على مصر أو الدول العربية فقط، بل تمتد إلى مختلف دول العالم، موضحًا أن التكنولوجيا الرقيمة وما أنتجته من هواتف ذكية وحواسيب وعالم موازٍ مرتبط بالإنترنت، غيّرت من نمط الإنتاج وطرق التلقي. ففي مجال الموسيقى والغناء، لم يعد يعتمد المنتج على طباعة الأسطونات أو شرائط الكاسيت، لأن الجمهور أصبح يستطيع الحصول على كافة الأغاني والتسجيلات من خلال الإنترنت، كذلك في المجلات الثقافية ما زال الجمهور في حاجة لها، لكن عبر وسيط جديد.

يكمل وجيه: "يوفّر الإنترنت أدوات جديدة لتقديم المحتوى الثقافي، عن طريق الصورة والفيديو والكتابة غير المحدودة بحيّز، ولا بمساحة المطبوع، أو بسلطة الرقابة الحكومية، لذلك فهناك فرصة كبيرة لانتقال المجلات الثقافية في إطار جديد من خلال تأسيس مواقع على الإنترنت".

المساهمون