"القباطي".. من أديرة الرهبان في مصر إلى باريس

03 يونيو 2015
منسوجة "كائنات النيل" في متحف إيطالي (Getty)
+ الخط -
على أبواب شهر رمضان الكريم، تتوجّه أبصار وبصائر المسلمين إلى الأراضي المقدّسة، التي شهدت نزول الوحي القرآني، ويقصد كثير من المسلمين قضاء فريضة العمرة في هذا الشهر، والتبارك بالكعبة الشريفة، التي قد يذهل البعض وهو يبحث في تاريخها أنّها كانت تكسى من النسيج القباطي، الذي صنعه الرهبان الأقباط.
النسيج القباطي، المعروف بـ "التبستري"، واحد من أقدم المنسوجات المزخرفة، وهو يمثل أوّل محاولة للحصول على زخرفة نسجية مكونة من لونين أو أكثر. وهو ينسب إلى أقباط مصر، وقد ذكره من المؤرخين المقريزي والفاكهي والبلاذري وابن عبد ربه وأبو المحاسن، واتفقوا جميعاً على أن كسوة الكعبة كانت في بعض الأوقات من النسيج القباطي.
تذهب الدكتورة سعاد ماهر، في موسوعة "الفنون الإسلامية"، إلى أن إطلاق لفظ "قباطي" على هذا النوع من الأنسجة في الفترات المتأخرة لم يكن يعني اسم طائفة بعينها، ولكنه يعني طريقة فنية تطبيقية اشتهر بإنتاجها القبط، من قبل دخول الإسلام، وبرعوا فيها فأصبح اسمهم يطلق عليها، سواء أكان صانعها قبطيّاً أم مسلماً.
تميّز العهد القبطي بصناعاته النسجية المتنوّعة، كما تفنّن الرهبان المتخفون من بطش الرومان، في صناعة النسيج المزخرف. وفي تلك الأيام كان الكهنة يرتدون الـ "طرشيل"، وهو صدرية يرتديها الكاهن فوق الـ "تونية"، وهو اسم جلباب الكاهن، والتونية تصنع غالباً من الكتان الأبيض وعليها زخارف دينية ونباتية مطرّزة على الصدر. وكان الحرير نادراَ ما ينسج منه قباطي هذه الفترة، وذلك لقلّة خامة الحرير وغلائها بالنسبة لعامة الناس. كما اعتبر رجال الدين ارتداءها منافياً للرجولة.
صناعة القباطي من أبسط الوسائل التي اتبعت في نسج الأقمشة المزخرفة، إذ لا يحتاج الأمر إلى أكثر من تقسيم خيوط السدى بالتساوي: زوجية وفردية، ويتحركان بالتبادل بواسطة "درأتين" أو ما يقوم مقامهما. بينما تحدث الزخرفة عن طريق استعمال لحمات ملوّنة تُنسج جميعها غير ممتدة في عرضه، وبذلك يتم التكوين الزخرفي له. وكان ذلك يتم عن طريق نولين أحدهما رأسي والآخر أفقي.
ويذهب المستشرق الفرنسي، "شارل هوبر"، إلى أنّ هذا النوع من النسيج وجد شبيهاً له في مصر حوالي سنة 2000 ق.م، حيث عثر على أشرطة ملوّنة بخيوط عرضية مختلفة الألوان على أكفان المومياوات، كما كان الأمر يتمّ بمنتهى الدقة حتى عصر البطالمة 305 ق.م، واستمرّ أيضاً إلى العصر الروماني وأوائل العصر المسيحي. بل إنّ أقدم قطعة من "القباطي" وجدت بمقبرة تحتمس الرابع، الذي حكم مصر سنة 1450ق.م، وقطعة أخرى كُتب عليها إمنحتب الثاني.

إقرأ أيضاً: تدمير القطن المصري


عرفت دول حوض البحر المتوسط هذا النوع من النسيج متأخرةً، بعد أن كانت تستورده من مصر لأزمنة طويلة، وأطلقوا عليه "الجوبلان" نسبة إلى الفرنسيَين (جِل وجين جوبلان) اللذين عاشا في باريس سنة 1450، وأنشأا مصنعاً خاصاً له، و"التابستري"، وهو لفظ إنجليزي يعني النسجيات المُرسَّمة، وهو انتشر في إيران وتركيا منذ القرن السادس عشر.
المساهمون