ترويج وحملات دعائية
بدأ الحديث عن "الفيلق الخامس" في سورية، منذ أواخر عام 2016، وروّجت له وسائل إعلام النظام الرسمية، بحملةٍ دعائية كبيرة، إذ كان الهدف حينها تجنيد أكبر عددٍ من الشبان السوريين، سواء الذين أدوا الخدمة الإلزامية أو كانوا متخلفين عنها، وحتى الموظفين ضمن القطاع العام الحكومي من دون أن يخسروا ميزاتهم الوظيفية، وكذلك بهدف لملمة المليشيات السورية الداعمة للنظام، والتي تكاثرت في السنوات القليلة الماضية، ضمن جسمٍ عسكريٍ واحد روسي الولاء. وأنتجت وزارة الدفاع في حكومة النظام تسجيلاتٍ مصورة ترويجية تدعو للانضمام إلى هذا الفيلق، كما أرسلت شركتا اتصالات الهواتف المحمولة (سيريتل وإم تي إن)، رسائل لمشتركيها تدعو للانضمام إلى "الفيلق الخامس - اقتحام".
ونشطت حملة إعلانية لحث الشبان على الانضمام لـ"الفيلق الخامس" في معظم مناطق سورية، خصوصاً "مناطق الأقليات" التي واجهت تهديدات من تنظيمات متطرفة، كمنطقة سلمية التي كان تنظيم "داعش" يرابط على حدودها، ونُظّمت تلك الحملات تحت شعار الحماية الذاتية. وبسبب الميزات المادية والمعنوية وحتى تلك المتعلقة بالشروط، استطاع الفيلق استقطاب عدد لا بأس به من الشبان في مناطق سيطرة النظام يُقدّر بالآلاف. كما طُرح التطوع في "الفيلق الخامس" كمخرج لقضية تخلّف شبان السويداء عن الخدمة الإلزامية، من دون النجاح في استقطابهم. وتنوعت التحليلات حينها حيال هذا الفيلق، ولو أن معظمها رجح أن يكون تأسيسه بقرارٍ من روسيا، التي كانت تريد أن توسع نطاق سيطرتها على المؤسسة العسكرية في سورية، لكون بعض تشكيلات هذه المؤسسة إيراني الولاء، ولأن موسكو تريد قوة برية لها في سورية، التي فيها مليشيات كثيرة تابعة لإيران.
تجربة الجنوب
مع إطلاق النظام بدعمٍ روسي الحملة العسكرية جنوبي سورية، في يونيو/ حزيران الماضي، ثم بدء دخول بعض المجموعات التي كانت محسوبة على المعارضة في "المصالحات"، برز اسم "الفيلق الخامس" في درعا، وظهر تنافسٌ واضح على ضم فصائل "المصالحات" بين الفرقة الرابعة التابعة مباشرة للقصر الجمهوري في سورية، ويديرها فعلياً ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد، وبين "الفيلق الخامس"، الذي بدا أن الروس يشجعون على الانضمام إليه.
ومع بدء معارك الجيش الحر في الجنوب، كانت بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة، قد دخلت في "تسويات" منفردة، في بداية يوليو/ تموز الماضي، وأخذت طابع تحسين شروط التفاوض مع الروس، ليبدو أن مصير محافظتي درعا والقنيطرة بات محسوماً للنظام وروسيا، وفق تفاهماتٍ سياسية أخرجت المعارضة السورية من حسابات الجنوب.
وفي حالة الفوضى بالنسبة لآلاف المقاتلين ضمن الجيش الحر، قرر بعضهم الانتقال إلى شمال غربي سورية، رافضين العيش تحت سلطة نظام الأسد، بينما كان آخرون ممن يتبعون لقياداتهم التي أمنت لهم دخلاً مادياً ونفوذاً محلياً، قد قرروا القبول بـ"المصالحات"، ليتحوّلوا فعلياً إلى مقاتلين في صفوف النظام. وبين هاتين الشريحتين، بقي مئات، وربما آلاف المقاتلين في الجيش الحر، والنشطاء الإعلاميين والإغاثيين وغير ذلك، أمام خيار التهجير وضريبته، أو "حضن الوطن" وضريبته، قبل أن يختار كل منهم طريقه.
يتحدث شهود من درعا لـ"العربي الجديد"، عن التنافس بين "الفيلق الخامس" و"الفرقة الرابعة" لاستقطاب مجموعات "المصالحات"، وهو ما يؤكده عضو وفد المعارضة إلى محادثات أستانة أيمن العاسمي، الذي يشرح لـ"العربي الجديد"، أن "الفرقة الرابعة تتبع لرئاسة الجمهورية بولاء إيراني، بينما مجموعات عسكرية أخرى، ومن بينها الفيلق الخامس، تتبع لرئاسة الأركان ذات الولاء الروسي". وفيما يقدّم "الفيلق الخامس" رواتب شهرية للمقاتلين، غير متساوية للجميع، لكنها وسطياً بين 150 و250 دولاراً شهرياً، تمنح "الفرقة الرابعة" وبعض أجهزة مخابرات النظام، بينها المخابرات الجوية، بطاقات أمنية لبعض المنضمين إليها، فضلاً عن رواتب شهرية بحسب خدمات الأشخاص، وامتيازات سلطوية أخرى في محافظة درعا.
حياة في ظل الخوف
اختار (عبد القادر ع.)، المقاتل في الجيش الحر في درعا، بعد سقوط المحافظة، البقاء في المدينة بعدما وضعته الأقدار وتخاذل قادته أمام خيارات وجد أن أحلاها البقاء تحت رحمة روسيا، على الرغم من معرفته بعدم التزامها بأي من التعهدات التي قدّمتها لسكان المنطقة. يقول عبد القادر لـ"العربي الجديد": "لم يكن أمامي إلا واحدٌ من خيارين مُرين كالعلقم، إما الخروج مع عائلتي في حافلات التهجير نحو إدلب، أو البقاء في بلدتي، والخيار الأول مُرّ لأني لا أعرف ما سيواجهني في الشمال، والثاني مر أيضاً لأني سأكون مضطراً للالتحاق بالفيلق الخامس أو الفرقة الرابعة، كي أنجو من الملاحقات الأمنية، فقررتُ أن أبقى مع عائلتي في بيتي وبلدتي، وبين أهلي وعشيرتي، على الرغم من علمي بأني سأواجه مشاكل لا حصر لها".
يضيف عبد القادر، الشاب الثلاثيني الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل، والذي قاتل مع الجيش الحر ضد النظام منذ 2012 في ريف درعا الغربي، أنه عرف بأن تنازلاتٍ كثيرة سيضطر لتقديمها للنظام والروس الذين "قدّموا لنا أيام معارك درعا الأخيرة، تطمينات كثيرة جداً لكي نبقى في درعا"، متابعاً: "أدركت أنهم سينقضون لاحقاً كل العهود والتطمينات التي قدّموها، وحدث هذا جزئياً حتى الآن، لكنني لا أريد الخروج من بلدتي إلى المجهول"، معتبراً أنه "يجب التفريق بين نوعين من الذين أقدموا على التسويات، الأول هم مثلي ممن أُجبروا بحكم ظروفهم الشخصية على البقاء، والثاني هم أولئك الذين حملوا السلاح بدافع الارتزاق، وهؤلاء يبدلون ولاء بنادقهم بحسب الجهة التي تدفع لهم".
ويرى عبد القادر أن "البقاء في درعا، يعني أن تعيش في خوف الاعتقال، ولذلك فإن عدداً كبيراً ممن قرروا البقاء، باتوا يقدّمون أنفسهم لسلطات النظام والروس على أنهم جنود أوفياء ومخلصون، كي تُطوى صفحتهم السابقة ويحموا أنفسهم من الملاحقة والاعتقال".
نظرة النظام لجماعة "المصالحات"
يشجّع النظام رسمياً على سياسة "المصالحات" التي يسميها بـ"الوطنية"، لكن بعض المواقف التي صدرت وتصدر من موالين له، تكشف عن نظرة مختلفة من هؤلاء لـ"جماعة المصالحات"، والتي يصل بعضها إلى حد المطالبة علناً بالتخلص منهم، بالتصفية الجسدية وخلاف ذلك. فقد دعت إحدى قريبات رئيس النظام بشار الأسد، وتُدعى رداح الأسد، وتعمل مدرّسة جامعية في كلية التربية بجامعة تشرين، إلى أن تقوم أجهزة النظام الأمنية بقتل كل الذين سيخضعون لما يسميه النظام بـ"التسوية والمصالحة"، قائلة: "بالنسبة للمسلحين اللي رح يرجعوا لحضن الوطن، وأنتو مو قبلانينن، مو مشكلة قوصوهن بالغلط، أو حادث مفتعل (قضاء وقدر)، أو حتى قلب عليهم شحن"، موجّهة حديثها لأجهزة مخابرات النظام: "ما بدي علمكم شغلكم". وانهالت على منشور المدرّسة الموالية للنظام التعليقات المؤيدة لما تدعو إليه، قبل أن ينتشر المنشور على شبكة الإنترنت بين المستخدمين السوريين، وتضطر رداح الأسد لحذفه أو إخفائه لاحقاً.
كما تداول ناشطون سوريون تسجيلاتٍ صوتية، قالوا إنها لضباطٍ من جيش النظام يتحدثون فيها، قبل أسابيع، عمّا يعتبرونه "خطر جماعة المصالحات"، الذين "خانوا جماعتهم وممكن أن يخونونا بأي لحظة"، وأن "الطريقة الوحيدة والأنسب لنرتاح من خطرهم، أن ندخلهم هذه المعركة (إدلب). سندخلهم في المقدمة من أجل أن ينحرقوا فيها".