على مدى سبعة قرونٍ ونصف من الوجود العربي الإسلامي في الأندلس، شهدت شبه الجزيرة الإيبيرية تطوُّراً في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا تزال آثارهُ شاهدةً على تلك الحقبة إلى اليوم، ومن بينها الآثارُ المصنوعة من المعادن، والتي تؤكّد ازدهار الصناعات والفنون المعدنية في الأندلس التي تفوّقت بأشواط على غيرها من المناطق الأوروبية، في هذا المجال كما في مجالاتٍ أُخرى.
يُقدّم "المتحف الأثري الوطني" في مدريد صورةً دقيقةً عن ازدهار تلك الصناعات والفنون في معرضٍ بعنوان "الفنون المعدنية في الأندلس" يتواصل حتى السادس من أيلول/ سبتمبر المقبل، ويجمع قرابة ثلاثمئة قطعة أثرية صُنعت في الأندلس من معادن مختلفة؛ كالحديد والبرونز والذهب والفضة والنحاس.
ويهدف المعرض، الذي يُقام بالتعاون مع عددٍ من المتاحف في إسبانيا وخارجها وبمشاركة متخصّصين في الفنون والعلوم الأندلسية، إلى "الإضاءة على تنوّع وغنى الفنون المعدنية في الأندلس"، وفق تعبير مدير "المتحف الأثري الوطني"، فيدال ألفاريز.
في حديثٍ صحافي سابق، أشار ألفاريز إلى أنَّ المعرضَ هو الأوّلَ من نوعه؛ إذْ كانت المعارض المقامةُ سابقاً في هذا المجال تُغطّي مساحةً جغرافيةً وحقباً زمنية أوسع؛ أي أنها تهتم بالفنون المعدنية في جميع المناطق الإسلامية منذ العصور الوسطى إلى العصر الحديث، بينما يُركّز المعرض الحالي على الأندلس التي "تؤكّد الدراسات والحفريات أنها لعبت دوراً أساسياً في الصناعات المعدنية الإسلامية".
كان المعرض قد انطلق بداية العام الجاري لكنّه لم يلبث أن أغلق أبوابه بسبب تفشّي فيروس كورنا قبل أن يعيد فتحها قبل أيام، وهو مشكَّل من قسمَين يؤرّخ أوّلهما للصناعات المعدنية بمختلف مراحلها في شبه الجزيرة الإيبيرية؛ بدءاً باستخراج المعادن الذي كان نشاطاً رائجاً ومتطوّراً في المنطقة حتى قبل الوصول الإسلامي إليها، مُروراً بالمبادلات التجارية مع بلدان شرق المتوسّط، والتي كانت تُوفّر للمسلمين معادن مثل الفضّة والبرونز والذهب، ووصولاً إلى صهرها وتصنيعها في محترفاتٍ مخصّصة لذلك.
يضمّ أدوات استُخدمت في مجالات علمية كالجراحة والفلك والمِلاحة
وتُعرَض في القسم الثاني تشكيلةٌ من الأدوات والقطع الفنّية التي صنعها الحرفيّون المسلمون في الأندلس من المعادن، خلال جميع مراحل الحضارة الأندلسية، وتتميّز بدقّتها وإتقانها؛ بعضُها موجّه للاستخدام اليومي؛ مثل الأسلحة والصناديق وأدوات الزراعة، وبعضُها مخصَّص للزينة كالحُلي والمجوهرات، وبعضُها الآخر يجمعُ بين الاستخدامَين معاً؛ مِثل القناديل والثريّات التي كانت تُضيء القصور والمساجد، ونوافيرِ المياه التي كانت توضَع في باحات المباني الأندلسية، وتتخّذ غالباً أشكال حيوانات خرافية زُيّنت بزخارف إسلامية وخطوط عربية.
ويضمُّ هذا القسم أيضاً قطعاً نقدية مصنوعةً من الذهب والفضة وأدواتٍ تُستخدم في مجالاتٍ علمية كالجراحة والفلك والملاحة البحرية؛ مثل الأسطرلاب والخرائط، إلى جانب معدّاتٍ تدخل في الصناعة المعدنية نفسها.