سجن "هوا لو" في فيتنام واحد من أبشع السجون وأشدها قساوة في العالم، بناه واستعمله المستعمرون الفرنسيون للسجناء السياسيين الفيتناميين في نهايات القرن التاسع عشر، وتم الانتهاء الكامل من بنائه عام 1901.
تأتي أصل تسمية السجن من كلمة فيتنامية تعني "الفرن الملتهب"، لتعكس حقيقته، فهو ملتهب بدرجات الحرارة العالية وبرائحة الموت التي تفوح في المكان، الذي كان يطاول المنادين بالاستقلال.
وما زال زائر هذا السجن، الذي تحول إلى متحف، يسمع أصوات المعذبين من المناضلين، إذ إن مكبرات الصوت هناك تعيد ترديد عذابات المساجين وآهاتهم، قبل أن يساقوا إلى مقصلة الموت والإعدام، التي اشتهر بها الفرنسيون.
تحمل جنبات "الفرن الملتهب"، بين طياتها، مشاهد التعذيب من خلال أشكال حجرية وشمعية حاكت الوضع المأساوي للمساجين، من الرجال والنساء بل وحتى الأطفال.
حوى هذا السجن، بين جدرانه القاسية، 400 شخص من نشطاء حركة استقلال فيتنام، ويقع "الفرن" في حي هانوي الذي أسسه الاستعمار الفرنسي، وتمت توسعته عام 1913 ليستوعب أكثر من 600 سجين، غير أن هذا الرقم ارتفع ليصل الى 2000 سجين بحلول عام 1954، وهو العام الذي هزم به الاستعمار الفرنسي بعد معركة ديان بيان فو التاريخية.
الجائل بين جنبات السجن يلاحظ بوضوح أساليب التعذيب الفظيعة التي شملت الصعق بالكهرباء، والضرب والإهانة والإذلال من خلال جلب عوائل المسجونين وتعذيب أبنائهم أمامهم، والذي لم يستثنِ الأطفال والنساء، وصولا إلى مقصلة الموت التي قطعت رؤوس مئات المناضلين والأبرياء.
الزنزانات الانفرادية وسيلة تعذيب أخرى استخدمها الفرنسيون بكثرة، لكسر إرادة المناضلين، والذين كانوا يواجهون تهماً من قبيل تهديد الأمن القومي لفرنسا!
مع حلول عام 1954 وتحرير شمال فيتنام من الاستعمار الفرنسي، خضع السجن مؤقتاً لسيطرة الحكومة الفيتنامية، ولكن نيران الحرب ما لبثت أن اشتعلت مرة أخرى، مع القوة العالمية الأبرز وهي الولايات المتحدة، فأصبح السجن ما بين 5 أغسطس/آب 1964 إلى 29 مارس/آذار 1975 سجنا للطيارين الأميركيين الذين وقعوا بقبضة الثوار الفيتناميين.
ومن أشهر الأسرى الذين احتجزوا في هذا السجن، السيناتور الجمهوري المعروف ومرشح الرئاسة السابق، جون ماكين، إضافة إلى الجنرال وليام بورتر لورنس، الملقب بـ (بيل)، الحائز وسام الخدمة المتميز وقائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادئ.
وفي عام 1993، قررت الحكومة الفيتنامية تحويل هذا "الفرن الملتهب" إلى متحف، تكريما لذكرى أرواح المناضلين من أجل استقلال فيتنام، واللافت أن الكثير من زوار هذا السجن هم من السياح الأميركيين والفرنسيين، أي من الدولتين اللتين ارتبطتا بتاريخ مروع تجاه هذا البلد، وخصوصاً تجاه "الفرن الملتهب".