ما إن يبدأ موسم قطف الزيتون في فلسطين حتى تذوب الفوارق الاجتماعية، فالكل مدعو إلى هذا العُرس في ظاهرة تُعرف بـ"العونة" وتعكس مدى التكافل بين السكان.
في بلدة "قصرة" الواقعة بمحافظة نابلس شمالي الضفة الغربية، متطوعون فلسطينيون من شرائح مختلفة يقطفون ثمار الزيتون على وقع الأهازيج والأغاني الفلكلورية، وعيونهم تجاه بؤر استيطانية على تلال قريبة.
مزرعة فواز حسن (58عاما) تعج بشبان وفتيات يسابقون الزمن في قطف الزيتون خشية سرقته من قبل المستوطنين، في حملة أطلقتها جمعية الإغاثة الزراعية الفلسطينية (غير حكومية) أسمتها "إحنا (نحن) معكم" لمساعدة المزارعين في المواقع المهددة من الاستيطان.
و"العونة" أي المساعدة كما يسميها الفلسطينيون، هي عمل تطوعي لصالح الأهل والجيران والمجتمع ككل، وتأخذ أشكالاً متعددة من التجاوب الاجتماعي في أوقات الشدة.
يقول فواز حسن: "في يوم واحد استطعت جني ثمار الحقل بمساعدة هؤلاء الشبان، كنت أخشى سرقة محصول الزيتون من قبل المستوطنين، أو حتى الاعتداء علينا ضرباً في حال قطفنا الثمار وحدنا".
ويضيف: "تعرضت المزرعة مرات عدة للتكسير والتخريب من قبل المستوطنين الذين يريدون تهجيرنا من الأرض للسيطرة عليها". والأراضي غير المشجّرة عادة ما تصادرها إسرائيل لبناء المستوطنات، كما يقول الفلسطينيون.
رئيس بلدية قصرة عبد العظيم الوادي، يشير إلى وجود أربع مستوطنات على تلة قريبة من مزرعة حسن وهي "ايش كوديش، يحيى، عادي عاد، كيدا".
هذه المستوطنات شن سكانها خلال السنوات السابقة نحو 84 اعتداءً على "قصرة" وحدها، أحرقوا حقولاً وأشجاراً ومركبات ومسجداً، كما اعتدوا على السكان، وفق رئيس البلدية.
وتابع الوادي: "اليوم ننفذ مع الإغاثة الزراعية برنامج العونة، والذي ينطلق تحت شعار (نحن معكم)، لمساعدة المزارع الذي تقع أراضيه قرب المستوطنات"، مضيفاً أن "المستوطنون يستغلون وجود عائلة وحيدة في الحقل يعتدون عليها ويسرقون ثمار الزيتون، نحن هنا نؤكد أننا باقون على هذه الأرض".
ولفت إلى أن "موسم الزيتون مميز ويحظى باهتمام كبير، ومن خلال شجرة الزيتون نوقف التوسع الاستيطاني على أراضينا".
مسؤول العمل التطوعي في جمعية الإغاثة الزراعية خالد منصور، قال على هامش مشاركته في موسم القطف بقصرة: "للسنة السابعة على التوالي ننظم حملات مساندة للمزارع الفلسطيني في المناطق القريبة من المستوطنات، والنقاط العسكرية الإسرائيلية".
وأردف "نقول للمزارع نحن معك في حماية أرضك، لكي تبقى هنا في مواجهة الاستيطان".
وأشار منصور نحو بؤر استيطانية مجاورة، قائلاً: "من هذه البؤر تنطلق عمليات تخريب للممتلكات الفلسطينية، يسرقون محصول الزيتون، يدمرون المزارع، لا يمكن أن نترك هؤلاء المزارعين وحدهم، هذا أقل ما يمكن أن نقدمه".
وتعد "قصرة" التي يسكنها نحو 3 آلاف فلسطيني، واحدة من أبرز البلدات التي تعرضت لهجمات المستوطنين، ما دفعها لتشكيل لجان حراسة لصد تلك الهجمات.
وحددت وزارة الزراعة الفلسطينية، 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، موعدا لبداية موسم قطف الثمار، لكن الموسم بدأ فعليا مطلع الشهر.
وقال وزير الزراعة سفيان سلطان، إن إنتاج بلاده من زيت الزيتون للموسم الحالي يقدر بنحو 18 ألف طن، مقارنة مع 21 ألفاً خلال الموسم الماضي. وأشار في وقت سابق إلى تراجع كميات الزيتون للموسم الحالي، بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة عن الموسم الماضي.
ويبلغ عدد أشجار الزيتون المثمرة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، نحو 8.5 ملايين شجرة مثمرة، إضافة إلى 2.5 مليون شجرة غير مثمرة، بحسب تصريحات سابقة لرامز عبيد، مدير إدارة الزيتون في وزارة الزراعة.