ضمن مقاربات عدّة يقدّمها باحثون عرب في العمارة والتاريخ، تبرز محاولات لإعادة فهم تشكّل الحواضر وتخطيطها وعمرانها خلال التاريخ الإسلامي، بعد هيمنة الدراسات الغربية منذ القرن التاسع عشر التي أخضعت المدينة العربية إلى معايير نظيرتها في الغرب.
اعتمدت تلك المعايير مخطّط المدن التي نشأت بعد الثورة الصناعية، ولم تأخذ بالاعتبار السياقات التاريخية والاجتماعية التي انعكست على تصميم البناء في البلدان العربية وعلاقة الشكل بالوظيفة، وكذلك ظروف المناخ من رطوبة ودرجة حرارة أملت تأثيرها أيضاً.
"العمارة والسياسة والتاريخ: المدينة الإسلامية في مغرب العصر الحديث" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحث مصطفى عرباوي عن "عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع" و"مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية"، وتقديم إدريس مقبول.
يوضّح المؤلّف في كلمة على الغلاف الخلفي للكتاب أن "العمران يحتاج لثقافة، إذ إنه كما أن هناك ثقافة للبناء يمكننا الحديث عن بناء الثقافة وهما وجهان لقيام وجود حضاري فاعل ومتميز في الحياة، فثقافة البناء، أو العمارة ككل، هي سياج هويتها المهنية والفكرية والسياسية ومحيطها المعرفي والدلالي والترميزي الخاص، بالإضافة إلى كونها ذلك الجزء المنتمي للثقافة الروحية أو الحضارية الأوسع منها، والذي تمثّله العمارة فناً ووظيفة وتاريخاً وهندسة وتعبيراً ورمزاً".
يحمل الباب الأول عنوان "محاولة في رصد التمدن ومرجعياته التشريعية في المغرب الأقصى خلال العصر الوسيط، ويناقش موضوعات عدّة منها الإرث الحضري في سياقه التاريخي وشبكة المدن الأزلية ومصيرها، وإشكالية التراكم والقطيعة في التخطيط، ونشأة الطراز الحضري المغربي الأندلسي والتأثير العباسي، وسياسة التمدين عند المرابطين والموحدين، وإشكاليات نظم وقوانين التعمير، ومركز جامع القرويين.
يتناول الباب الثاني "تخطيط مدينة فاس وديناميتها المعمارية خلال العصر الوسيط" حيث يضي ظروف النشأة حتى نهاية العهد الزناتي، وتطوّر عمارتها والتقسيم الإداري للمدينة وإعادة تأهيلها المعماري وأبرز المشاريع خلال العصر المريني من بناء المدارس وتجديد المارستانات وتشييد القناطر والسقايات، والخصائص العامة لتخطيط فاس، واستخدام خامات الطبيعة المحيطة، والتوزيع الوظيفي للأحياء، ويختتم الباب بدراسة تركيبية لخصوصيات بناء الأسوار ودور السكن والمساجد والأسواق والمدارس والفنادق وقصبة المدينة.