شارك الآلاف من أهالي بنقردان في مراسم دفن شهدائهم من المدنيين والأمنيين في مقبرة المدينة، وتحديداً في روضة الشهداء الخاصة التي خصصت لقتلى هذه المعركة.
ويقول الناشط الحقوقي عمار الجريء: "هؤلاء الشهداء دفعوا ثمن الالتفاف حول قوات الجيش والأمن أثناء التصدي للإرهابيين الذين حاولوا احتلال مدينتنا". مؤكداً في حديث لـ "العربي الجديد" أن "استشهادهم بمثابة الرسالة القوية للتنظيمات الإرهابية في أنها لن تنجح في اكتساب حاضنة شعبية لجرائمها في الجنوب التونسي"، على حدّ تعبيره.
وفي السياق ذاته، قال مبروك الموفق والد سارة (12 سنة) التي قتلت أثناء تبادل إطلاق النار، لـ"العربي الجديد" إن أبناءه اتصلوا به بعد دقائق من حدوث الهجوم فجراً، بينما كان قد انتهى من عمله كحارس في إحدى الشركات، وأخبروه أنهم قرروا مغادرة منزلهم القريب جداً من الثكنة العسكرية بعد سماع إطلاق الرصاص بطريقة عشوائية. ويواصل بحسرة: "قتلت وهي تحمي أخاها الصغير، قتلها الإرهابيون وقضوا على أحلامهم، فقد كانت تتمنى أن تصبح طبيبة وتخرجنا من حالة الفقر والخصاصة التي تعاني منها العائلة، اغتالوا تلميذة يشهد الجميع بنتائجها المدرسية المتميزة. أشعر بالحزن والفخر في الآن ذاته، فقد ساهمت بروح فلذة كبدي من أجل هذا الوطن".
وواصلت المدارس والمعاهد لليوم الثالث على التوالي في مدينة بنقردان إغلاق أبوابها خوفاً على سلامة التلاميذ. ولم يشمل هذا الإجراء بقية المؤسسات العمومية والمحلات التي عادت تدريجياً لنشاطها، وسط حذر شديد من تجدد المواجهات بين الأمن والإرهابيين.
ويقول حسين عبدالكبير لـ"العربي الجديد"، إن شقيقه عبدالعاطي، رئيس فرقة مكافحة الإرهاب ببنقردان "قتل وهو يقاتل الإرهابيين بمسدسه"، ويتذكر "فجر يوم الإثنين خرجنا لاستجلاء الأمر في محيط المنزل بعد سماع دوي الرصاص، شاهدنا سيارة يمتطيها أربعة أشخاص سرعان ما غيرت وجهتها نحونا بعد التفطن لوجود عبدالعاطي، مما يدل أنهم أتوا خصيصاً لاغتياله بسبب التصدي لجرائمهم أكثر من مرة. رفض الهروب وتمركز خلف الحائط لكنهم حاصروه من الجهات الأربع وتمكنوا من قتله بعد نفاد رصاصات سلاحه، تأكدت من استشهاد شقيقي فور سماعهم يرددون "الله أكبر الله أكبر قتلناه".
ويؤكد عمّه عمر، أن عبدالعاطي كان مستهدفاً من الإرهابيين والمهربين بسبب تفانيه في العمل ورفض قبول الرشوة مقابل تسهيل أعمالهم التخريبية، مشيراً إلى أنه كان من الضروري توفير الحماية اللازمة له و"تمكينه من أسلحة متطورة عوضاً عن مسدس عادي لمجابهة أي هجوم قد ينفذه ضده الإرهابيون الذين يرصدون تحركاته منذ مدة".
ويروي عبدالناصر شندول، أنه شاهد سيارات تتجه نحو منطقة الشرطة أثناء خروجه من المسجد بعد أداء صلاة الفجر. ويقول لـ"العربي الجديد"، سمعنا أشخاصاً يرددون "الله أكبر الله أكبر" قبل إطلاق الرصاص وهو ما دفعنا للاختباء داخل بهو إحدى العمارات القريبة جداً من مكان الحادث. لم نمكث كثيراً والتحقنا بعشرات أهالي القرية الذين ركضوا نحو المنطقة لمؤازرة قوات الشرطة، الرصاص الكثيف منعنا من الوصول، لكن انتبهنا لفرار أحد الإرهابيين حاملاً سلاحاً بيده اليمنى".
تصريحات عبدالناصر تتطابق مع سالم صاحب محل بيع المواد الغذائية، الذي يفسر أن انخراط الأهالي في التصدي لهذه العملية كان بدافع استدراج الإرهابيين لإبعادهم عن منطقة الأمن إلى حين وصول التعزيزات الأمنية والعسكرية. ويؤكد "ما قمنا به كان خطيراً جداً فقد اقتربنا منهم دون امتلاكنا لأي نوع من الأسلحة النارية. لكن حبنا لهذا الوطن دفعنا للتضحية والمجازفة بحياتنا".
وينفي مصدر من المؤسسة الأمنية المختصة ببنقردان انتهاء العملية، خصوصاً أن القوات العسكرية مازالت بصدد تمشيط الغابات بحثاً عن الإرهابيين الفارين الذين تم القضاء والقبض على عدد منهم ليلة البارحة. وبحسب تصريحات المصدر ذاته، يتحصن الفارون في مناطق مجاورة لوسط المدينة إضافة إلى فرضية وجود خلايا إرهابية نائمة لم تشارك في هذه العملية وقد تكون مكلفة مرحلة أخرى من التخطيط بعد فشل السيطرة على المدينة.